وعقابه ، ووحدوه ولا تشركوا به شيئا. وكرر (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) ، عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك ، ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل ، كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان ، وأنه لا يفوز عند الله إلا الجامع بينهما. ألا ترى إلى قوله : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً)؟ (١) والمعنى : قل يا محمد ففروا إلى الله. انتهى ، وهو على طريق الاعتزال. وقد رددنا عليه في تفسير (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) في موضع هذه الآية.
(كَذلِكَ) : أي أمر الأمم السابقة عند مجيء الرسل إليهم ، مثل الأمر من الكفار الذين بعثت إليهم ، وهو التكذيب. (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) : أو للتفصيل ، أي قال بعض ساحر ، وقال بعض مجنون ، وقال بعض كلاهما ، ألا ترى إلى قوم نوح عليه الصلاة والسلام لم يقولوا عنه إنه ساحر ، بل قالوا به جنة ، فجمعوا في الضمير ودلت أو على التفصيل؟ (أَتَواصَوْا بِهِ) : أي بذلك القول ، وهو توقيف وتعجيب من توارد نفوس الكفرة على تكذيب الأنبياء ، مع افتراق أزمانهم ، (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) : أي لم يتواصوا به ، لأنهم لم يكونوا في زمان واحد ، بل جمعتهم علة واحدة ، وهي كونهم طغاة ، فهم مستعلون في الأرض ، مفسدون فيها عاتون.
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) : أي أعرض عن الذين كررت عليهم الدعوة ، فلم يجيبوا. (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) : إذ قد بلغت ونصحت. (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) : تؤثر فيهم وفيمن قدر الله أن يؤمن ، وما دل عليه الظاهر من الموادعة منسوخ بآية السيف. وعن عليّ ، كرم الله وجهه : لما نزل (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) ، حزن المسلمون وظنوا أنه أمر بالتولي عن الجميع ، وأن الوحي قد انقطع ، نزلت (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) ، فسروا بذلك. (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) : أي (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) الطائعين ، قاله زيد بن أسلم وسفيان ، ويؤيده رواية ابن عباس ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين». وقال علي وابن عباس : (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) : إلا لآمرهم بعبادتي ، وليقروا لي بالعبادة. فعبر بقوله : (لِيَعْبُدُونِ) ، إذ العبادة هي مضمن الأمر ، فعلى هذا الجن والإنس عام. وقيل : يحتمل أن يكون المعنى : إلا معدين ليعبدون ، وكأن الآية تعديد نعمه ، أي خلقت لهم حواس وعقولا وأجساما منقادة ، نحو : العبادة ، كما تقول : هذا مخلوق لكذا ،
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٥٨.