مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ، إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ، فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ ، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ).
أي : وبنينا السماء ، فهو من باب الاشتغال ، وكذا وفرشنا الأرض. وقرأ أبو السمال ، ومجاهد ، وابن مقسم : برفع السماء ورفع الأرض على الابتداء. (بِأَيْدٍ) : أي بقوة ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ، وهو كقوله : (داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) (١). (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) : أي بناءها ، فالجملة حالية ، أي بنيناها موسعوها ، كقوله : جاء زيد وإنه لمسرع ، أي مسرعا ، فهي بحيث أن الأرض وما يحيط من الماء والهواء كالنقطة وسط الدائرة. وقال ابن زيد قريبا من هذا وهو : أن الوسع راجع إلى السماء. وقيل : لموسعون قوة وقدرة ، أي لقادرون من الوسع ، وهو الطاقة. وقال الحسن : أوسع الرزق بالمطر والماء.
(فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) ، و (خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) ، قال مجاهد : إشارة إلى المتضادات والمتقابلات ، كالليل والنهار ، والشقاوة والسعادة ، والهدى والضلال ، والسماء والأرض ، والسواد والبياض ، والصحة والمرض ، والكفر والإيمان ، ونحو ذلك ، ورجحه الطبري بأنه أدل على القدرة التي توجد الضدين ، بخلاف ما يفعل بطبعه ، كالتسخين والتبريد. ومثل الحسن بأشياء مما تقدم وقال : كل اثنين منها زوج ، والله تعالى فرد لا مثل له. وقال ابن زيد وغيره : (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) : أي من الحيوان ، (خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) : ذكرا وأنثى. وقيل : المراد بالشيء الجنس ، وما يكون تحت الجنس نوعان : فمن كل جنس خلق نوعين من الجواهر ، مثل النامي والجامد. ومن النامي المدرك والنبات ، ومن المدرك الناطق والصامت ، وكل ذلك يدل على أنه فرد لا كثرة فيه. (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) : أي بأني باني السماء وفارش الأرض وخالق الزوجين ، تعالى أن يكون له زوج. أو تذكرون أنه لا يعجزه حشر الأجساد وجمع الأرواح. وقرأ أبي : يتذكرون ، بتاءين وتخفيف الذال. وقيل : إرادة أن تتذكروا ، فتعرفوا الخالق وتعبدوه.
(فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) : أمر بالدخول في الإيمان وطاعة الله ، وجعل الأمر بذلك بلفظ الفرار ، لينبه على أن وراء الناس عقاب وعذاب. وأمر حقه أن يفر منه ، فجمعت لفظة ففروا بين التحذير والاستدعاء. وينظر إلى هذا المعنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك» ، قاله ابن عطية ، وهو تفسير حسن. وقال الزمخشري : إلى طاعته وثوابه من معصيته
__________________
(١) سورة ص : ٣٨ / ١٧.