والحكم إن كانوا صادقين في أنه تقوله ، فليقولوا هم مثله ، إذ هو واحد منهم ، فإن كانوا صادقين فليكونوا مثله في التقوّل. فقرأ الجحدري وأبو السمّال : (بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) ، على الإضافة : أي بحديث رجل مثل الرسول في كونه أميا لم يصحب أهل العلم ولا رحل عن بلده ، أو مثله في كونه واحدا منهم ، فلا يجوز أن يكون مثله في العرب فصاحة ، فليأت بمثل ما أتى به ، ولن يقدر على ذلك أبدا.
(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) : أي من غير شيء حي كالجماد ، فهم لا يؤمرون ولا ينهون ، كما هي الجمادات عليه ، قاله الطبري. وقيل : (مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) : أي من غير علة ولا لغاية عقاب وثواب ، فهم لذلك لا يسمعون ولا يتشرعون ، وهذا كما تقول : فعلت كذا وكذا من غير علة : أي لغير علة ، فمن للسبب ، وفي القول الأول لابتداء الغاية. وقال الزمخشري : (أَمْ خُلِقُوا) : أم أحدثوا؟ وقدروا التقدير الذي عليه فطرتهم ؛ (مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) : من غير مقدر ، أم هم الذين خلقوا أنفسهم حيث لا يعبدون الخالق؟ (بَلْ لا يُوقِنُونَ) : أي إذا سئلوا : من خلقكم وخلق السموات والأرض؟ قالوا : الله ، وهم شاكون فيما يقولون لا يوقنون. أم خلقوا من غير رب ولا خالق؟ أي أم أحدثوا وبرزوا للوجود من غير إله يبرزهم وينشئهم؟ (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) لأنفسهم ، فلا يعبدون الله ، ولا يأتمرون بأوامره ، ولا ينتهون عن مناهيه. والقسمان باطلان ، وهم يعترفون بذلك ، فدل على بطلانهم. وقال ابن عطية : ثم وقفهم على جهة التوبيخ على أنفسهم ، أهم الذين خلقوا الأشياء فهم لذلك يتكبرون؟ ثم خصص من تلك الأشياء السموات والأرض لعظمها وشرفها في المخلوقات ، ثم حكم عليهم بأنهم لا يوقنون ولا ينظرون نظرا يؤديهم إلى اليقين.
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) ، قال الزمخشري : خزائن الرزق ، حتى يرزقوا النبوة من شاءوا ، أو : أعندهم خزائن علمه حتى يختاروا لها من اختياره حكمة ومصلحة؟ (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) : الأرباب الغالبون حتى يدبرون أمر الربوبية ويبنوا الأمور على إرادتهم. وقال ابن عطية : أم عندهم الاستغناء عن الله تعالى في جميع الأمور ، لأن المال والصحة والقوة وغير ذلك من الأشياء كلها من خزائن الله تعالى. وقال الزهراوي : وقيل يريد بالخزائن : العلم ، وهذا قول حسن إذا تؤمل وبسط. وقال الرماني : خزائنه تعالى : مقدوراته. انتهى. والمسيطر ، قال ابن عباس : المسلط القاهر. وقرأ الجمهور : المصيطرون بالصاد ؛ وهشام وقنبل وحفص : بخلاف عنه بالسين ، وهو الأصل ؛ ومن أبدلها صادا ، فلأجل حرف الاستعلاء وهو الطاء ، وأشم خلف عن حمزة ، وخلاد عنه بخلاف عنه الزاي.