أعجبني ملاحة الجارية ، وسرق ثوب زيد ، وتقدم لنا الكلام على إعراب مثل هذه الجملة في قوله : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) (١) ، في سورة الأنعام. والذي تقتضيه صناعة العربية أن أنهم معمول لمحذوف ، ودل عليه المعنى ، وتقديره : قضينا أو حكمنا (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ). وقرأ ابن عباس والحسن : إنهم بكسر الهمزة على الاستئناف ، وقطع الجملة عن ما قبلها من جهة الإعراب ، ودل ذلك على أن قراءة الفتح مقطوعة عن ما قبلها من جهة الإعراب لتتفق القراءتان ولا تختلفا. والضمير في أنهم عائد على معنى كم ، وهم القرون ، وإليهم عائد على من أسند إليه يروا ، وهم قريش ؛ فالمعنى : أنهم لا يرجعون إلى من في الدنيا. وقيل : الضمير في أنهم عائد على من أسند إليه يروا ، وفي إليهم عائد على المهلكين ، والمعنى : أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة ، أي أهلكناهم وقطعنا نسلهم ، والإهلاك مع قطع النسل أتم وأعم. وقرأ عبد الله : ألم يروا من أهلكنا ، وأنهم على هذا بدل اشتمال ؛ وفي قولهم : أنهم لا يرجعون ، رد على القائلين بالرجعة. وقيل لا بن عباس : إن قوما يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة ، فقال : ليس القوم نحن إذا نكحنا نساءه وقسمنا ميراثه.
وقرأ عاصم ، وحمزة ، وابن عامر : بتثقيل لما ؛ وباقي السبعة : بتخفيفها. فمن ثقلها كانت عنده بمعنى إلا ، وإن نافية ، أي ما كل ، أي كلهم إلا جميع لدينا ، محضرون : أي محشورون ، قاله قتادة. وقال ابن سلام : معذبون ؛ وقيل : التقدير لمن ما وليس بشيء ، ومن خفف لما جعل إن المخففة من الثقيلة ، وما زائدة ، أي إن كل لجميع ، وهذا على مذهب البصريين. وأما الكوفيون ، فإن عندهم نافية ، واللام بمعنى إلا ، وما زائدة ، ولما المشددة بمعنى إلا ثابت في لسان العرب بنقل الثقات ، فلا يلتفت إلى زعم الكسائي أنه لا يعرف ذلك. وقال أبو عبد الله الرازي : في كون لما بمعنى إلا معنى مناسب ، وهو أن لما كأنها حرفا نفي جميعا. وهما لم وما ، فتأكد النفي ؛ وإلا كأنها حرفا نفي إن ولا ، فاستعمل أحدهما مكان الآخر. انتهى ، وهذا أخذه من قول الفراء في إلا في الاستثناء أنها مركبة من إن ولا ، إلا أن الفراء جعل إن المخففة من الثقيلة وما زائدة ، أي إن كل لجميع ، وهذا على مذهب البصريين. وأما الكوفيون ، فإن عندهم نافية ، واللام بمعنى إلا ، وما زائدة ، ولما المشددة بمعنى إلا ثابت حرف نفي ، وهو قول مردود عند النحاة ركيك ، وما تركب منه وزاد تحريفا أرك منه ، وكل بمعنى الإحاطة ، وجميع فعيل بمعنى مفعول ، ويدل على الاجتماع ،
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٦.