تقديره أشد. فعلى أم من هو تقرير واحد ونظيره : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) (١). قال الزمخشري : وأشد خلقا يحتمل أقوى خلقا ، من قولهم : شديد الخلق ، وفي خلقه شدة ، وأصعب خلقا. وأشد خلقا وأشقه يحتمل أقوى خلقا من قولهم : شديد الخلق ، وفي خلقه شدة ، على معنى الرد ، لإنكارهم البعث والنشأة الأخرى. وإن من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ، ولم يصعب عليه اختراعها ، كان خلق الشر عليه أهون. وخلقهم من طين لازب ، إما شهادة عليهم بالضعف والرخاوة ، لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة ؛ أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب. فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله؟ قالوا : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) ، وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث. انتهى. والذي يظهر الاحتمال الأول. وقيل : (أَمْ مَنْ خَلَقْنا) من الأمم الماضية ، كقوله : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) (٢) ، وقوله : و (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً) (٣) ، وأضاف : الخلق من الطين إليهم ، والمخلوق منه هو أبوهم آدم ، إذ كانوا نسله. وقال الطبري : خلق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء ، وهذا كله إذا خلط صار طينا لازبا يلزم ما جاوره. وعن ابن عباس : اللازب بالجر ، أي الكريم الجيد.
وقرأ الجمهور : (بَلْ عَجِبْتَ) ، بتاء الخطاب ، أي من قدرة الله على هذه الخلائق العظيمة ، وهم يسخرون منك ومن تعجبك ، ومما تريهم من آثار قدرة الله ، أو عجبت من إنكارهم البعث ، وهم يسخرون من أمر البعث. أو عجبت من إعراضهم عن الحق وعماهم عن الهدى ، وأن يكونوا كافرين مع ما جئتهم به من عند الله. وقرأ حمزة ، والكسائي ، وابن سعدان ، وابن مقسم : بياء المتكلم. ورويت عن عليّ ، وعبد الله ، وابن عباس ، والنخعي ، وابن وثاب ، وطلحة ، وشقيق ، والأعمش. وأنكر شريح القاضي هذه القراءة. وقال : الله لا يعجب ، فقال إبراهيم : كان شريح معجبا بعلمه ، وعبد الله أعلم منه ، يعني عبد الله بن مسعود. والظاهر أن ضمير المتكلم هو لله تعالى ، والعجب لا يجوز على الله تعالى ، لأنه روعة تعتري المتعجب من الشيء. وقد جاء في الحديث إسناد العجب إلى الله تعالى ، وتؤول على أنه صفة فعل يظهرها الله تعالى في صفة المتعجب منه من تعظيم أو تحقير حتى يصير الناس متعجبين منه. فالمعنى : بل عجبت من ضلالتهم وسوء عملهم ، وجعلتها للناظرين فيها وفيما اقترن فيها من شرعي وهداي متعجبا. وقال الزمخشري : أي بلغ من
__________________
(١) سورة النازعات : ٧٩ / ٢٧.
(٢) سورة ق : ٥٠ / ٣٦.
(٣) سورة فاطر : ٣٥ / ٤٤.