شكل الإدارة ، وما مضى عليه عامان حتى قضت السياسة الغالبة في العام العشرين بعد الألف والمئة التاسعة أن يكون من الأجزاء التي كبر بها لبنان ، ولم يطل الزمان حتى قضى التحديد اللبناني الواقع تحت الانتداب الفرنسي والفلسطيني الواقع تحت الانتداب البريطاني أن يقتطع أجزاء من جنوبيه فتضم إلى فلسطين ، وهكذا شاءت القوة أن يصبح القسم الكبير منه لبنانيا تابعا لبنان الكبير عام العشرين لا بإرادة ساكنيه ، وجزء من جنوبيه فلسطينيا ، على غير رضى أهليه ، ولا نعلم ما تخبئه له الأقدار بعد أو السياسة على الأصح ، وهل يستقر له هذا الوضع ويخضع بهذه التجزئة غير المرغوب فيها ، أو يتبع ما سوف تستقر عليه السفينة السورية المضطربة في يم الأهواء السياسية فيكون له ما لها من شقاء وهناء.
وبعد فقد أبى علي الألم مما آلت إليه حال هذا القطر وغيره من الأقطار العربية المتألمة أن أسترسل في بحث لعله يراه بعض قارئي مقالي بعيدا عن موضوع البحث ، ولكن من ينصف هذا القطر الذي يراه يكاد يكون مجهولا لدى ولاة الأمور اللبنانيين ، منقوص الحظ من كل ما يتمتع به سواه ، بفضل الطائفية التي ينعم بها سواه من أبناء الطواف ـ لا يراني إلّا معذورا بهذا الفضول الذي لا يرى له صلة ببحث جغرافي وتاريخي في بادئ الرأي ، ويراه ألصق به. إذ استعرض ما مني به هذا القطر الشقي ، فأدع زيادة الخوض في هذا المبحث الذي له غير هذا المكان ، وأعود إلى موضوع المقال.
كنت كتبت في المجلد الثامن من مجلة (العرفان) المفيدة مقالا تحت عنوان (أسماء قرى جبل عامل في القرن الثاني عشر) موزعا على ثمانية أجزاء بلغت صفحاته أربعا وخمسين صفحة ، ولم أذكر فيه إلا أسماء القرى التي كتب بها (عاملي) إلى العلامة الشيخ يوسف البحراني ، من علماء القرن الثاني عشر الإمامية ، والتعليق عليها ، وقد ترك ذلك العاملي أسماء قرى كثيرة لا نرتاب بعمرانها في عهده ، وقد وعدنا العرفان بخاتمة ذلك المقال