وقطع أشجارها وهدم ابنيتها وبات هناك ليلتين ، وسار إلى ينبوع المأذنة وبات هناك ، فحضر إليه كتاب من خاله الأمير إسماعيل أنه قادم إليه بعساكره ، وأنه أتاه كتاب من المتاولة على يد الشيخ علي ظاهر يسألونه العفو عنهم ، وأنهم يقدمون إليه كل ما يريده منهم ، وسأله الأمير اسماعيل أن يتأخر إلى حين وصوله ، فأبت مشايخ البلاد ، فمشى بعسكره ، وكان عسكر المتاولة مجتمعا في النبطية ، وعدده ثلاثة آلاف ، وعندهم الشيخ علي الظاهر ، وفي وصول الأمير إلى قرية كفر رمان أحرقها ، وتوجه إلى النبطية ، فلقي شرذمة من عسكر المتاولة تبلغ خمس مائة فارس ، ووقع بينهم القتال فانكسر عسكر الأمير كسرة هائلة لم يعهد لها مثيل في هذه البلاد ، حتى أن كثيرا من العسكر مات تعبا وعطشا ، ومنهم من اختلت عقولهم فلم ينتبهوا إلى أنفسهم ، ومنهم من ألقوا ثيابهم وأسلحتهم غنيمة للعدو يشتغل بها عنهم ، ومات في تلك الموقعة من عسكر الأمير أكثر من ألف وخمسمائة قتيل ، ولو وصل إليهم باقي عسكر المتاولة لما سلم منهم أحد. واتفق في ذلك الوقت وصول الشيخ كليب نكد ومعه جماعة من رجال المناصف ، فناوشهم في وعرة هناك وشغلهم عن العسكر المنهزم ، ثم وصل الأمير إسماعيل فأبعد المتاولة عن الشيخ كليب ، وارتفع القتال ، ولو لا ذلك لم ترجع المتاولة لأنهم كانوا كالغنم بين أيدي الذئاب. وذهب الأمير إسماعيل والشيخ كليب إلى حاصبيا ، واستمرت الهزيمة على الأمير يوسف وعسكره إلى أن دخلوا جبل لبنان ، فخاف درويش باشا وفر إلى دمشق ، وكان في جيش الأمير يوسف عدد كبير من المعلوفيين ، وفي دواني القطوف (١) والأعيان (٢) أن السبب في هذا الإنكسار هو ارتداد بعض المشايخ الجنبلاطيين والأمراء على أعقابهم في إبان المعترك ، وأن لبعض هؤلاء
__________________
(١) عيسى اسكندر المعلوف : دواني القطوف ، ص ٢٠٨.
(٢) طنوس الشدياق : أخبار الأعيان في جبل لبنان ، ٢ : ٣٣٠.