لبنة لبنة ، وعمار يحمل لبنتين لبنتين ، فمر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «تحمل لبنتين لبنتين وأنت ترحض (١) ، أما إنك ستقتلك الفئة الباغية ، وأنت من أهل الجنة» فدخل عمرو على معاوية فقال : قتلنا هذا الرجل وقد قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما قال ، فقال : اسكت ، فوالله ما تزال تدحض في بولك ، أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي وأصحابه ، جاءوا به حتى ألقوه بيننا.
قلت : وهو يقتضي أن هذا القول لعمار كان في البناء الثاني للمسجد ؛ لأن إسلام عمرو كان في الخامسة كما سبق.
وأسند ابن زبالة عن حسن بن محمد الثقفي قال : بينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يا بني في أساس مسجد المدينة ومعه أبو بكر وعمر وعثمان رضياللهعنهم ، فمر به رجل فقال : يا رسول الله ما معك إلا هؤلاء الرهط؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هؤلاء ولاة الأمر من بعدي.
وروى أبو يعلى برجال الصحيح إلا أن التابعي لم يسم عن عائشة رضياللهعنها قالت : لما أسس رسول الله صلىاللهعليهوسلم مسجد المدينة جاء بحجر فوضعه ، وجاء أبو بكر بحجر فوضعه ، وجاء عمر بحجر فوضعه ، وجاء عثمان بحجر فوضعه ، قالت : فسئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فقال : هذا أمر الخلافة من بعدي.
وتقدم في تأسيس مسجد قباء نحو ذلك من غير ذكر أمر الخلافة.
وقال الأقشهري في روضته : روى صاحب السيرة ولم يسمه أن جبريل عليهالسلام أتى النبي صلىاللهعليهوسلم وقال : يا محمد ، إن الله يأمرك أن تبني له بيتا ، وأن ترفع بنيانه بالرهص والحجارة ـ والرهص : الطين الذي يتخذ منه الجدار ـ فقال : كم أرفعه يا جبريل؟ قال : سبعة أذرع ، وقيل : خمسة أذرع ، ولما ابتدأ في بنائه أمر بالحجارة وأخذ حجرا فوضعه بيده أولا ، ثم أمر أبا بكر فجاء بحجر فوضعه إلى جنب حجر النبي صلىاللهعليهوسلم ثم عمر كذلك ، ثم عثمان كذلك ، ثم عليا ، انتهى ما ذكره الأقشهري ومن خطه نقلته.
وروى البيهقي في الدلائل عن سفينة مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لما بنى النبي صلىاللهعليهوسلم المسجد وضع حجرا ، ثم قال : ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري ، ثم ليضع عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر ، ثم قال : ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هؤلاء الخلفاء من بعدي».
وأسند يحيى عن أسامة بن زيد عن أبيه قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعه حجر ، فلقيه أسيد بن حضير فقال : يا رسول الله أعطنيه ، فقال : اذهب فاحتمل غيره ، فلست بأفقر إليه مني.
__________________
(١) رحض المحموم : عرق حتى كأنه غسل جسده.