المسجد كانت ملاصقة للمسجد ، ولم تزل بيد أبي بكر حتى احتاج إلى شيء يعطيه لبعض من وفد عليه ، فباعها ، فاشترتها منه حفصة أم المؤمنين بأربعة آلاف درهم ، فلم تزل بيدها إلى أن أرادوا توسيع المسجد في خلافة عثمان ، فطلبوها منها ليوسعوا بها المسجد ، فامتنعت وقالت : كيف بطريقي إلى المسجد؟ فقيل لها : نعطيك دارا أوسع منها ونجعل لك طريقا مثلها ، فسلّمت ورضيت.
قلت : هذه القصة إنما ذكرها ابن شبة في دار حفصة التي في قبلة المسجد ، وذكر معها شراءها لدار أبي بكر المذكورة بصيغة تقتضي التضعيف ، واقتضى ذلك أن دار أبي بكر كانت في قبلة المسجد على تلك الرواية الضعيفة ، وأن طريق آل عمر اليوم منها ، فنسب إليه الحافظ ابن حجر الجزم به ، وليس الأمر كذلك كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في الفصل الرابع عشر.
وقال يحيى في روايته المتقدمة : وجعل أساطينه من جذوع نخل وسقفه بالجريد ذراعين فوق المسجد سترة حائطه ثلاثة أذرع ، وعبر ابن النجار عن ذلك بقوله : وسقفه جريد ذراعان ، وبنى فوق ظهره سترة ثلاثة أذرع ، انتهى. والذي يظهر أن في عبارة يحيى خللا ، وتبعه عليه ابن النجار ، وأن المراد ما ذكره رزين في هذه الرواية بعينها ، فإنه قال فيها : وجعل عمر سترة المسجد فوقه ذراعين أو ثلاثة ، فكأن لفظ «أو» سقط قبل قوله ثلاثة أذرع.
وقال يحيى ورزين عقب ذلك : وكان بنى أساسه بالحجارة إلى أن بلغ قامة ، زاد يحيى : وكان لبنه ضربه بالبقيع ، وجعل له ستة أبواب : بابين عن يمين القبلة ، وبابين عن يسارها ، وبابين خلف القبلة ، ولم يغير باب عاتكة ـ أي المعروف بباب الرحمة ـ ولا الباب الذي كان يدخل منه النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو فتح الباب الذي عند القبر ، فهذان البابان من الشق الأيسر : أي المشرق ، وفتح الباب الذي عند دار مروان بن الحكم ، وفتح بابين من مؤخر المسجد ، انتهى.
وقوله : «إنه لم يغير باب عاتكة ، ولا الباب الذي كان يدخل منه النبي صلىاللهعليهوسلم» مسلم في الباب الذي كان يدخل منه النبي صلىاللهعليهوسلم. قال المراغي تبعا للمطري : وهو باب جبريل ؛ لأنه لم يزد في جهة المشرق شيئا ، وأما باب عاتكة ففيه نظر ؛ لأنه زاد من جهة المغرب كما تقدم ، فالمراد بكونه لم يغير أنه أخره في محاذاة الباب الأول ، وهذه الرواية تقتضي أن الباب المعروف اليوم بباب النساء لم يكن موجودا في زمن عمر رضياللهعنه ؛ لأن المستفاد مما ذكره أن الباب الذي زاده في جهة المشرق جعله عند القبر ، ولعله تصحيف ؛ لأنه إذا لم يزد من جهة المشرق شيئا كيف يحدث بابا عند القبر ويترك الجهة التي زادها من جهة الشام بغير باب؟ والمنقول كما سيأتي أن إحداث الباب الذي عند القبر إنما هو في زيادة الوليد ، وسيأتي