وأفهم كلام ابن زبالة أنها كانت في زمن عمر بن عبد العزيز مرتفعة عن أرض المسجد ؛ لأنه ذكر في زيادة المهدي أنه أمر بالمقصورة فهدمت وخفضت إلى مستوى المسجد ، وكانت مرتفعة ذراعين عن وجه المسجد ، فأوطأها مع المسجد ، وكأن المراغي فهم أن المراد بذلك سقف المقصورة لا أرضها ، فإنه قال في زيادة المهدي : وخفض سقف المقصورة ، وكانت مرتفعة ذراعين عن وجه المسجد فأوطئوها المسجد ، انتهى.
ورأيت لفظة «سقف» ملحقة بخطه ، والظاهر أن ذلك هو المراد ، وذكر المطري ما يقتضي أن المهدي جعلها من خشب على الرواق القبلي بأجمعه ، وهو مراد ابن جبير بقوله في رحلته ـ بعد أن ذكر أن في الجهة القبلية من المسجد خمس بلاطات ـ يعني أروقة ، قال : والبلاط المتصل بالقبلة من الخمس المذكورة تحويه مقصورة تكنفه طولا من غرب إلى شرق ، والمحراب فيها ، انتهى.
وقد احترقت هذه المقصورة في حريق المسجد الأول ، والله أعلم.
الفصل السادس عشر
في زيادة الوليد بن عبد الملك على يد عمر بن عبد العزيز
نقل رزين أن المسجد بعد أن زاد فيه عثمان رضياللهعنه لم يزد فيه علي ولا معاوية رضياللهعنهما ، ولا يزيد ولا مروان ، ولا ابنه عبد الملك شيئا ، حتى كان الوليد بن عبد الملك ـ وكان عمر بن عبد العزيز عامله على المدينة ومكة ـ بعث الوليد إلى عمر بن عبد العزيز بمال وقال له : من باعك فأعطه ثمنه ، ومن أبي فاهدم عليه وأعطه المال ، فإن أبى أن يأخذه فاصرفه إلى الفقراء ، انتهى.
وقال ابن زبالة : حدثني عبد العزيز بن محمد عن بعض أهل العلم قال : قدم الوليد بن عبد الملك حاجا ، فبينا هو يخطب الناس على منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ حانت منه التفاتة فإذا بحسن بن حسن بن علي بن أبي طالب في بيت فاطمة في يده مرآة ينظر فيها ، فلما نزل أرسل إلى عمر بن عبد العزيز فقال : لا أرى هذا قد بقي بعد ، اشتر هذه المواضع ، وأدخل بيت النبي صلىاللهعليهوسلم في المسجد ، واسدده.
وروى يحيى من طريق ابن زبالة وغيره عن عبد العزيز بن محمد بنحوه.
وروى أيضا عن موسى بن جعفر بن أبي كثير قال : بينما الوليد يخطب على المنبر إذ انكشفت الكلة (١) عن بيت فاطمة عليهاالسلام ، وإذا حسن بن حسن يسرّح لحيته ، وهو يخطب على المنبر ، فلما نزل أمر بهدم بيت فاطمة رضياللهعنها.
__________________
(١) الكلّة : ستر رقيق مثقّب يتوقّى به من البعوض وغيره. (ج) كلل.