وعن طارق بن شهاب أن عمر رضياللهعنه أتى برجل في المسجد وقد أخذ في شيء ، فقال : أخرجاه من المسجد فاضرباه ، أو اضربوه.
وروى يحيى عن نافع أن عمر بينما هو في المسجد عشاء إذ سمع ضحك رجل ، فأرسل إليه فقال : من أنت؟ فقال : أنا رجل من ثقيف ، فقال : أمن أهل البلد أنت؟ فقال : بل من أهل الطائف ، فتوعده فقال : لو كنت من أهل البلد لنكّلت بك ، إن مسجدنا هذا لا ترفع فيه الأصوات.
وعن ابن سيرين أن ابن مسعود سمع رجلا يرفع صوته في المسجد ، فسبه ، فقيل له : ما كنت فحّاشا ، فقال : أمرنا بهذا.
وروى ابن زبالة ويحيى عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب مر بحسان بن ثابت وهو ينشد في المسجد ، فلحظ إليه ، فقال حسان : قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك ، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال : أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «أجب عني ، اللهم أيده بروح القدس» قال : اللهم نعم ، وقد رواه البخاري في الصحيح بنحوه ، وفي رواية ليحيى عقب قوله : «قد كنت أنشد فيه من هو خير منك» فانصرف عمر وقد عرف أنه يريد النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفي رواية ذكرها الحافظ ابن حجر فقال : كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ، وفي الترمذي من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينصب لحسان منبرا في المسجد ، فيقوم عليه يهجو الكفار.
وأما ما رواه ابن خزيمة في صحيحه والترمذي وحسنه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن تناشد الأشعار في المساجد ، قال الحافظ ابن حجر : صحيح إلى عمرو ، فمن يصحح نسخته يصححه ، وفي هذا المعنى عدة أحاديث ، لكن في أسانيدها مقال ، والجمع بينها وبين ما تقدم أن يحمل النهي على تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين ، وهو مراد عمر بقوله : من أراد أن ينشد شعرا فليخرج إلى هذه ، يعني البطيحاء ، والمأذون فيه ما سلّم من ذلك ، وقيل : المنهي عنه ما إذا كان غالبا على المسجد حتى يتشاغل به من فيه ، وأبعد بعضهم فأعمل أحاديث النهي ، وادعى نسخ الإذن ، ولم يوافق على ذلك. وروى ابن زبالة عن علي بن زيد بن جدعان قال : أنشد كعب بن زهير رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المسجد أبياتا :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول (١)
والله أعلم.
__________________
(١) وعجزه :
متيم إثرها لم يفد مكبول