الخطر ، وأمره بحفظه ، فجعله يحيى في مجلسه تحت نكأته إلى أن يحرزه حيث يرى ، فغلب على قلبه الشغل ، فنهض ونسيه مكانه ، فذهب وذكره يحيى فطلبه في الموضع فلم يجده ، فأبلغ ذلك منه ، فذكر له أمر أبي يعقوب الزاجر ، فأمر بإحضاره ، فلما استؤذن له قال يحيى لمن حضره : عليكم بالصمت ، ولا ينطق أحد بكلمة فيسمعها فيفسد عليه زجره ، فأذن له ، فدخل ، فقال له : مسألة حضرت وأنا سائلك عنها ، فانظر ما هي؟ قال : نعم ، أصلحك الله ، وأطرق طويلا ، ثم قال : تسألني عن ضالة؟ قال : نعم ، فانظر ما هي ، قال : فجعل يتلفّت يمينا وشمالا ، ثم لمس [البساط](١) بيده ولا يعلم ما يريد ، ثم قال : هو شيء أحمر وأخضر وأبيض ، هو سموط (٢) ، هو في وعاء جراب أو كيس ، هو جوهر ، قال : أصبت ، فمن أخذه؟ قال : أحد الفرّاشين ، ولم يقف كما وقف في المرتين الأوليين (٣) ، قال : فأين هو؟ قال : في بلاعة ، ولم يقف أيضا ، فقال يحيى : انظروا كل بلاعة في الدار فاطلبوا فيها ، فنظروا فإذا في واحدة منهن أثر (٤) قلع واصلاح ، فكشف رأسها واستخرج منها جراب فيه ذلك الجوهر ، فأتى به يحيى ، فكثر تعجبه وذهب الغمّ عنه ، وصار مكانه سرورا واستبشارا ، وقال : يدفع إليه في وقتنا هذا خمسة آلاف درهم ، ويبتاع له منزل ، في جوارنا بخمسة آلاف درهم. قال : قال أبو يعقوب : أما الخمسة آلاف فإني آخذها وأما المنزل فلن يبتاع أبدا ، قال : فازداد عجبا يحيى ، ثم سأله عن زجره في هذه المسألة ، فقال : دخلت عليك ، أصلحك الله ، وأنت تعلم أنه لا بصر لي (٥) ، وإنما يزجر الزاجر على حواسه ، وأقوى حواسه بصره ، وأكثر زجري على سمعي ، فلم أسمع شيئا ، وسألتني فأصغيت إلى كلمة ـ أو لفظة ـ أزجر عليها ، فلم أجد ، فاشتققت (٦) الزجر من الحال التي كنت فيها ، فقلت : ضالة لأنه قد ضل عني كل شيء يمكن التعلّق به ، فقلت : أصلحك الله ، ضالة؟ فقلت : نعم ، فعلمت أنّي قد أصبت ، ثم قلت : ما هو؟ فجاءت مسألة أخرى ، فجهدت أن أسمع شيئا أزجر عليه ، فلم أسمعه ، فلمست بيدي البساط ، فوجدت قمع (٧) تمرة مما لعله كان في أسفل خف بعض من دخل ، فقلت : هذا من
__________________
(١) سقطت من الأصل واستدركت عن د ، و «ز» ، وم.
(٢) السمط : خيط النظم ، والدرع يعلقهما الفارس على عجز فرسه ، والسير يعلق من السرج ، والثوب ليس له بطانة ، والجمع سموط (القاموس المحيط).
(٣) الأصل ود ، و «ز» ، وم : الأولتين.
(٤) كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.
(٥) في م : «لا يضرك» بدلا من «لا بصر لي».
(٦) الأصل : «فاستقت» والمثبت عن م ، ود.
(٧) القمع بالفتح والكسر ، وكعنب : ما التزق بأسفل التمرة والبسرة ونحوهما (القاموس المحيط).