ولما فرغوا من تعبئتهم ، نادوا من يخرج / ٣٩ / لتلبيتهم ، فخرج الوالي بنفسه ، وضمّ إليه من اختار من أبناء جنسه ، وجاءه عمّ أبي الملك القومط نونة (١) فسلّم ، وأذن له في الكلام فتكلّم ، وقال أنت من خيار قومك ، وما أقل من نراه يلمّ بلومك ، فأسلم البلد وسلّم أهله ، ودع وعر الأمر واركب سهله (٢). فقال وما الذي رأيناه ، حتى نبيح ما حميناه ، ونبيد ما حويناه ، قال إنك إن جعلت الإباية جوابا ، ولم تر في هذه الصفقة (٣) إيجابا ، فإنّا نأخذ البلد عنوة ، ونغتنمها غزوة (٤) ، وآية ذلك أن في هذه الساعة يسقط السّور ، وينكشف السرّ المستور.
ثم أشار بإضرام اللهب ، فيما كان تحت السّور من الخشب ، فظهرت في الوقت علامتها الصادقة ، واستطارت من باطن الثرى تلك الصاعقة (٥) ،
__________________
(١) ورد اسمه في الوثيقة اللاتينية العربية حول تقسيم جزيرة ميورقة المؤرخة برجب ٦٢٩ ه / ماي ١٢٣٢ م. وفي هذا النص بيان كامل بأسماء النبلاء والزعماء الذين اشتركوا مع الملك خايمي الأول في غزو الجزيرة والذين أقطعهم أجزاء من أرضها مكافأة لهم ، وبنصيب كل واحد من هذه الأجزاء. وقد جاء ذكره في الوثيقة تارة باسم القمط ننوا وتارة نونة ، والقمط هو الكونت أي الأمير. عصام سيسالم ، جزر الأندلس المنسية ، الملحق الثاني ، ص ٦١٥ وما بعدها.
(٢) طباق الإيجاب بين" الوعر والسهل".
(٣) يستفاد من كلام ابن عميرة أن الغزاة قد عرضوا على المسلمين صفقة مقابل تسليم الجزيرة ولكن الأمير أبا يحيى التنملي رفضها وقرر المقاومة. ولكن الرواية المسيحية تذكر أن الأمير المسلم هو الذي أرسل إلى الملك خايمي سفارتين يعرض عليه فيهما إجراء المفاوضات من أجل وقف القتال. واستجاب الملك لطلبه وأوفد إليه ممثليه ، ولكن الشروط التي عرضها الأمير المسلم من أجل التسليم ، وإن كانت قد لقيت قبولا لدى الملك خايمي ، فإن كبار القادة والنبلاء والأحبار رفضوا عرض التسليم وشروطه بإصرار. ميجيل الكوبير ، الإسلام في ميورقة ، ص ٨٠.
(٤) جناس ناقص بين" عنوة وغزوة".
(٥) صعق الإنسان صعقا : غشي عليه وذهب عقله من صوت يسمعه كالهدّة الشديدة. والصاعقة الموت وصيحة العذاب. والصاعقة : القطعة من النار التي تسقط من السماء في رعد شديد لا تأتي على شيء إلا أحرقته وهذا ما يريده المؤلف هنا. لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ١٩٨.