الكتاب ، بل سكت عن تاريخ التأليف أيضا ، ولم نجد من بين الذين ترجموا له من ملأ هذا الفراغ ، لذلك فلسنا نعلم بالضبط متى ألّف ابن عميرة هذا الكتاب غير أننا متأكدون من أنه قد ألّفه خلال الفترة الممتدة ما بين سنة ٦٢٧ ه تاريخ سقوط جزيرة ميورقة وسنة ٦٥٨ ه تاريخ وفاته. وكما هو معلوم فإن هذه الحقبة الممتدة على ثلاثة عقود وهي المرحلة الأخيرة من حياة المؤلف ، قد قضى العقد الأول منها (٦٢٧ ـ ٦٣٧ ه) في شرق الأندلس متنقلا بين قواعده ، وقضى العقد الثاني (٦٣٧ ـ ٦٤٦ ه) في حواضر المغرب الأقصى ، وأنهى العقد الأخير (٦٤٦ ـ ٦٥٨ ه) في مدن إفريقية.
وإذا استثنينا الفترة التي قضاها المؤلف في شرق الأندلس على اعتبار أنها ليست بدار غربة بالنسبة للميورقي صاحب طلب التأليف ، وإذا أخذنا في الحسبان عبارة المؤلف الواردة في مقدمة الكتاب التي تقول : " وأتيت بالأخبار عن ذلك الأمر الغريب ، وأثبته في الزمن القريب" ، فإنه من المحتمل أن يكون ابن عميرة قد وضع تأليفه في المغرب الأقصى وتحديدا أثناء توليه قضاء الرباط وسلا.
ومما يقوّي هذا الاحتمال أن الفترة التي قضاها المؤلف بالرباط كانت مليئة بالمكاتبات الإخوانية إلى أصدقائه في الأندلس ومراكش وسبتة ، كما أشار هو نفسه إلى كثرة إنتاجه الأدبي في هذا العهد إذ يقول من رسالة بعث بها إلى ابن مفوز : " والأشعار في هذا الوقت كثيرة ، والرسائل في كل فن شهيرة ، والوقت لا يسع تقييد ما أردت أن تقفوا عليه منها ، ولعل ذلك يكون والدار صقب ، والمزار كتب". وقد بلغ من نشاطه الكتابي بالرباط أن استنفذ ما كان معه من ورق فكتب إلى صديقه ابن مفوز الشاطبي يرجوه أن يبعث إليه شيئا من هذا الورق المصنوع في شاطبة فيقول : " والكاغد الذي وعدتم به بلغت منه حدّ الإفلاس ، وتكفف من يضن به من الناس ، فأحسنوا به العون ،