لأحد الرجلين متعلم لصياغة الكلام ، ومتألم من صناعة الأيام ، هذا يتعوذ من سوء القدر ، وذاك يتعود صوغ الفقر والقوص على الدّرر ، وقد يجتمع الأمران بواحد ، فيحصل من الكلام على فائد ، ومن العلم بما جرى على شيء زائد".
إن ابن عميرة وغيره من كتاب عصره يمثلون حلقة مهمة ومرحلة متميزة في سلسلة تطور النثر الفني في الأدب الأندلسي ، وينتمون إلى مدرسة لها طابعها الخاص ، هي أشبه ما تكون بمدرسة القاضي الفاضل والعماد الأصبهاني المشرقية والموازية لها تقريبا من الناحية الزمنية. ثم إن هذه المدرسة هي التي مهدت لظهور جيل من الكتاب عرفهم القرن الثامن الهجري فكانت قدوة مباشرة ونموذجا حيا لهم أمثال ابن الخطيب والشريف الغرناطي وابن شبرين وعبد المهيمن الحضرمي وغيرهم. والمعروف أن هذه المرحلة التي يمثلها ابن عميرة من مراحل النثر الأندلسي على عهد الموحدين قد اتسمت بالتكلف والإسراف في الصنعة ، وكانت المرحلة التي سبقتها على عهد ملوك الطوائف والمرابطين قد عرفت بصناعتها الدقيقة من سجع وجناس وطباق وغيرها من محسنات البديع وألوان الزخرفة على نحو ما هو موجود في ذخيرة ابن بسام وقلائد ومطمح ابن خاقان.
ولا يختلف أسلوب ابن عميرة في كتاب تاريخ ميورقة عن أسلوبه في رسائله الديوانية والإخوانية الضخمة التي اشتهر بها ، وأن خصائص نثره هي الخصائص ذاتها التي عرفت في النثر الفني منذ القرن الرابع الهجري وظلت تتطور وتتعقد بعد ذلك ، وهي خصائص تقوم على السجع بألوانه ، والجناس بمختلف أشكاله ، وضروب المقابلة والطباق مع متانة العبارة ، وقوة البيان ، ودقة الوصف. ومن خصائص نثره أيضا الإكثار من التلميحات والإشارات والتوريات والاقتباسات واستعمال مختلف المصطلحات والألفاظ الفقهية والمنطقية وغيرها من الألفاظ العلمية التي تتردد في كلامه. وكذلك توظيف