الأحداث والتطورات الخطيرة واضطرمت فيها سلسلة جديدة من الثورات القومية على غرار ما حدث في أواخر العهد المرابطي ، ورغم ما كان يسود هذه الثورات والحركات من تنافس وخصام إلا أنها كانت تجمع بينها غاية تحرير الأندلس من الموحدين والتصدي للعدوان الصليبي.
وكان أهل شرق الأندلس ، الذين اشتهروا بنزعتهم الانفصالية في تاريخ الأندلس منذ الخلافة الأموية ، أول من جاهر بالخروج على الموحدين والثورة ضدهم. فظهر بينهم زعيم من بيت عريق في الزعامة والرياسة وهو الأمير أبو عبد الله محمد بن يوسف بن هود الجذامي سليل بني هود ملوك سرقسطة أيام الطوائف الأولى ، وكان ظهوره في مدينة مرسية حيث اتخذها قاعدة لإمارته التي استمرت من سنة ٦٢٥ ه إلى سنة ٦٣٥ ه. وقد رأى فيه الأندلسيون يومئذ الرجل الذي كانوا ينتظرونه لجمع كلمتهم والدفاع عن بيضتهم ومصداق ذلك شعر من مدحه من الشعراء كابن مرج الكحل وغيره. وجاء عنه في أعمال الأعلام أنه" كان شجاعا ، كريما حييّا وفيا ، متوكّلا عليه ، سليم الصدر ، قليل المبالاة بالأمور ، محدودا لم ينصر به جيش ، ولا وفق له رأي لغلبة الخفة عليه واستعجاله الحركات ونشاطه إلى لقاء الأعداء من غير كمال واستعداد" (١). ولعل استخفاف ابن هود بالأمور واستعجاله في لقاء العدو هو الذي دفع ابن سعيد إلى الحكم عليه بأنه" كان عاميا جاهلا ، مشؤوما على الأندلس ، كأنما كان عقوبة لأهلها ، فيه زويت محاسنها وطوي بساطها ، ونثر سلكها" (٢).
ويضيف ابن الخطيب أن ابن هود ملك مرسية وقرطبة وإشبيلية
__________________
(١) ابن الخطيب لسان الدين ، أعمال الأعلام ، تحقيق ليفي بروفنسال. بيروت : دار المكشوف ، ١٩٥٦ ، ج ٢ ، ص ٢٧٨.
(٢) ابن سعيد المغربي ، المصدر السابق ، ج ٢ ، ص : ٢٥١.