ولم يعودوا بيتا متحدا تجمعه رابطة واحدة ولكنهم تحولوا إلى أمراء وأشياخ استأثر كل منهم بقاعدة من قواعد الملك الموحدي أو بوظيفة من وظائفه الرئيسية ، وظهرت آفة الصراع والتطاحن على عرش الخلافة الموحدية ، وأصبح كل واحد منهم يمني نفسه به ويتمنى في ذات الوقت فساد الأمر على من تولاه. فبعد الخليفة المستنصر قام بالأمر أبو محمد عبد الواحد ولكن سرعان ما خرج عليه الخليفة العادل وبويع بالخلافة ، ثم قام أبو العلى إدريس المأمون بالأندلس وخرج على أخيه العادل أيضا وكان ذلك ما بين (٦٢٠ ـ ٦٢٤ ه).
إن انتثار الخلافة الموحدية وتصدع أركانها كان له أبلغ الأثر في العدوة الأندلسية التي أصبحت مكشوفة للعدو ولا يدفع عنها أحد. وأخذ ذلك الصراع الطويل بين الإسلام والنصرانية حول مصير الأندلس يتحدد بصورة حاسمة ، إذ سار التقدم النصراني في ذلك الوقت ابتداء من العقد الثالث من القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي في ثلاث مناطق : الأولى وجهتها غرب الأندلس ويسيطر على مصيرها ملك ليون ألفونسو التاسع ، والثانية وجهتها وسط الأندلس ويسيطر على مصيرها ملك قشتالة فرناندو الثالث بينما اختص ملك قطلونية وأراجون بمصير الوجهة الثالثة وهي شرق الأندلس. ورغم ما كان يسود هذه الممالك من خلاف وما يقع بينها من حروب إلا أنها كانت تنبذ ذلك وتقف صفا واحدا إذا تعلق الأمر بحرب مع المسلمين.
وفي تلك الآونة التي انشغل فيها البلاط الموحدي بالمغرب بخلافاته وحروبه الأهلية ، وتخاذل السادة والحكام الموحدون عن تأدية واجبهم الأول في شبه الجزيرة الأندلسية التي سرى إليها دبيب التفكك ، وتطلعت اسبانيا النصرانية إلى السيطرة على ذلك التراث المنهار ، اهتزت الأندلس لهذه