يذكر المؤلف أن أكثر مدة الوالي أبي يحيى التنملي أثناء حكمه لميورقة وجزر البليار كانت نافعة وأمور رعيته مرعية وسياسته سديدة مرضية ، إلى أن خلع قومه من الأندلس فأوى إليه طرداء منهم آواهم وتأثر لحالهم ، فكان هؤلاء بدأة الشر الذي باض وفرّخ. فقد أشاروا عليه بالاحتراس وحملوه على إساءة الظن بالناس وطلبوا منه أن يمكّنهم من الجماعة الأندلسية من أهل ميورقة لينتقموا منهم ثأرا لما حل بهم في الأندلس من طرد وخلع. وظلوا يغرونه بهم ظلما ، ويغيرون صدره عليهم ، ويدفعونه إلى أعمال الجور حتى أفسدوا أمره ، فساءت الأحوال ، وأطلت الفتنة برأسها ، وانضم كل ذي حي إلى حيه ، وأصبح كل طرف يتوجس خيفة من الطرف الآخر ، إلى أن وصلت الأمور إلى حدّ التآمر والتصفية الجسدية كما سنبينه في حينه ، بعد أن نوضح موضوع خلع قوم الوالي من الأندلس الذي أشار إليه المؤلف إشارة عابرة.
من المعلوم أنه في منتصف شهر صفر سنة ٦٠٩ ه / جويلية ١٢١٢ م قد حلت بالمسلمين في الأندلس نكبة مروّعة وهزيمة كبيرة في معركة العقاب على يد قوات الممالك الإسبانية المسيحية وحلفائها من أهل الصليب الذين حشدتهم البابوية. وكانت خسائرهم فادحة جدا ، وهلك معظم الجيش الموحدي ، ولم ينج الخليفة الموحدي الناصر مع عدد قليل من حرسه إلا بأعجوبة. وخلفت هذه الهزيمة في النفوس آثارا لا تمحى ، واستقر في معظمها شعور بأن الأمر قد ضاع ولا سبيل إلى تلافيه. وفي أيام المستنصر خامس الخلفاء الموحدين (٦١٠ ـ ٦٢٠ ه) تلاشت بقية الأمل في الموحدين ، فقد نجم لهم بنو مرين وبدأوا معهم صراع المصير في المغرب ، وكان عليهم أن يتجرعوا نفس الكأس التي جرّعوها للمرابطين من قبل (١).
__________________
(١) ابن الأبار ، الحلة السيراء ، ج ١ ، ص : ٢٢.