ترمحه من تلك القطع دابة (١) ، فحين دنا منه يئس من الخلاص ، وأيقن أنّه في يد الاقتناص. فطلعه المسلمون من كل جانب ، واقتسموه بين قاتل وناهب ، ثم رفعوا القتال ، وجمعوا بين يدي الوالي المتمول والمال ، وكان فيهم أربعة من جنوة ، هم أشهر أهلها يسارا وثروة ، فقتل من ساعته من ذكر من أهل السّعة ، وكان مرباعه (٢) مال هؤلاء الأربعة ، فأودعه عند بطانته ، وجعل أمناء على ما لم يدخل تحت خيانته. وعاد إلى ميورقة وهو يرى أنه غالب لملوك الزمن ، بالغ بسيفه ويزنيّه (٣) مالم يبلغه سيف ابن ذي يزن (٤) ، وغاب عنه أنّه أشأم من عاقر الناقة (٥) ، وأن طليعة عمله ستلحقها من الساقة ما ليس في الطاقة (٦).
فإن الرّوم حين بلغهم الخبر قالوا خطب كبار ، وأمر ليس عليه قرار ، وكيف نقابل رفع هذه الفتوق بالفتور (٧) ، أو ننام وليس بنائم ليل الموتور ، وقد
__________________
(١) جناس ناقص بين" هابّة ودابة".
(٢) المرباع : ما يأخذه الرئيس وهو ربع الغنيمة. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم قبل إسلامه : " إنك لتأكل المرباع وهو لا يحل لك في دينك". لأنهم كانوا في الجاهلية إذا غزا بعضهم بعضا وغنموا ، أخذ الرئيس ربع الغنيمة خالصا دون أصحابه. لسان العرب ، ج ٨ ، ص ١٠١.
(٣) نسبة إلى ذي يزن ملك من ملوك حمير ، وأصله يزأن ، والمراد هنا الرمح ، ويقال رمح يزني وأزني وأزأني وأيزني. لسان العرب ، ج ١٣ ، ص ١٩٣.
(٤) هو أبو مرة سيف بن ذي يزن بن عافر بن أسلم بن زيد بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد الجمهور الحميري من ملوك اليمن. ذهب إلى كسرى ملك الفرس يستنجزه في النصرة على ملك الحبشة فمات هناك. ابن خلدون ، العبر ، مج ٢ ، ص ٧٣.
(٥) مثل عربي يضرب في الشؤم ، ويقال أيضا : أشأم من أحمر عاد. وهو قدار بن سالف ، ويقال له أيضا قدار بن فديرة نسبة على أمه. وهو الذي عقر ناقة نبي الله صالح عليه السلام ، فأهلك الله بفعله قوم ثمود. الميداني ، مجمع الأمثال ، مج ١ ، ص ٥٢٨.
(٦) جناس ناقص بين" الساقة والطاقة".
(٧) جناس ناقص بين" الفتوق والفتور".