وفي أثر الغراب أرسل الوالي سلّورة (١) منجحة ، نفضت على فضاء البحر أجنحة (٢) ، وخرجت تستوضح الأنباء المشكلة ، حتى انتهت إلى وادي كونة المجاور ثغر بنشكلّة. وعدم ذلك الساحل الحياطة فاعتمدته بحطّ ، وأسرت فيه من الرّوم تسعة رهط (٣) ، ثم انصرفت بتسعتها (٤) ، تقتادهم بنسعتها (٥) ، وسئلوا بميورقة عن الجمع فقالوا قد تكامل للنهوض لمرساكم ، وكأن به قد صبّحكم أو مسّاكم (٦).
ثم عزّز الوالي من صغار القطع الحربية بثالث ، وأمره بالاستجلاء لحقيقة كل حديث حادث ، فصادفت ريحا حرج البحر بحرجفها (٧) ، وقطع القطعة عن طريق تعرّضها وتعرفها ، ورمت بها سردانية (٨) فأغارت في سهلها ،
__________________
(١) جمعها سلالير ، وهي مركب متوسط الحجم ، يستخدم في الحرب والسّلم ، وله ثلاثة أشرعة وأربعون مجذافا ، وقد سمي بهذا الاسم لأن شكله يشبه شكل السلار وهو نوع من الطيور. المجالي سحر ، تطور الجيش العربي في الأندلس ، ص ٢٥٥.
(٢) استعارة مكنية فيها تشبيه للسلّورة بالطائر الذي ينفض أجنحته.
(٣) إشارة إلى قوله تعالى عن قوم ثمود : (" وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ"). سورة النمل ، الآية رقم ٤٨.
(٤) جناس ناقص بين" تسعتها ونسعتها".
(٥) النسع : سير يضفر على هيئة أعنة النعال تشد به الرحال والجمع أنساع والقطعة منه نسعة. والأنساع هي الحبال واحدها نسع. لسان العرب ، ج ٨ ، ص ٣٥٢.
(٦) طباق الإيجاب بين" صبّحكم ومسّاكم".
(٧) الحرجف : الريح الباردة. وإذا اشتدت الرّيح مع برد ويبس فهي حرجف. وليلة حرجف : باردة الرّيح. قال الفرزدق :
إذا اغبرّ آفاق السماء وهتّكت |
|
ستور بيوت الحيّ نكباء حرجف |
لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٤٥.
(٨) من جزر حوض البحر المتوسط الغربي ، وصفها صاحب الروض المعطار بأنها جزيرة على طرف من البحر الشامي ، كبيرة النظر كثيرة الجبال قليلة المياه. طولها ٢٣٠ ميلا وعرضها من الغرب إلى الشرق ١٨٠ ميلا. سكانها أهل نجدة وحزم لا يفارقون السلاح. بها معادن الفضة الجيدة التي تخرج إلى كثير من بلاد الروم. دخلها مجاهد العامري صاحب جزر البليار سنة ٤٠٩ ه ـ