ثم فطنت فأمسكت ، فقال لي سلم : لا عليك يا أبا عمرو! لست قائلها فاضرب بها وجوهنا في ظلمة الليل.
وقد روي أن صاحب هذه القصة مع سلم عيسى بن عمر. وأمر أبي عمرو أصحّ وأكثر.
أخبرنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا المبرّد قال : حدثني العباس بن ميمون قال : حدّثنا الأصمعي عن سفيان (١) الثوري قال : كنا عند الأعمش (٢) وعنده أبو عمرو بن العلاء ، فحدّث عن أبي وائل (٣) عن عبد الله (٤) : «كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتخوّلنا بالموعظة» ثم قال الأعمش : «يتعاهدنا» (٥) فقال له أبو عمرو : إن كان يتعاهدنا «فيتخوّننا» (٦) فأما «يتخوّلنا» فيستصلحنا ، فقال له الأعمش : وما يدريك؟ فقال : لئن شئت يا أبا محمد أن أعلمك الساعة أن الله ما علّمك من جميع ما تدّعيه شيئا فعلت.
والأمر على ما قال أبو عمرو ، يقال : تخوّلت الشيء أتخوّله تخوّلا إذا تعهّدته بالإصلاح ، وهو من قولهم : رجل خائل مال وخال مال ، إذا كان حسن القيام عليه والإصلاح له ، وقد خال المال يخوله خولا إذا رعاه ، قال الشاعر :
أخول على أهلي وأكفي عشيرتي |
|
أموري ، والإصلاح للمال أفضل |
والتخوّن : التعهّد في الوقت بعد الوقت ، يقال : تخوّنه يتخوّنه تخوّنا ، قال ذو الرمّة يصف ولد الظّبي ، وتعهّد أمّه له بالرّضاع :
لا ينعش الطّرف إلّا ما تخوّنه |
|
داع يناديه باسم الماء مبغوم (٧) |
__________________
(١) هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ؛ كان حافظا فقيها محدثا. ولد سنة ٩٨ ، وتوفي سنة ١٦١. (تذكرة الحفاظ ١ / ١٩٠).
(٢) هو أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش ؛ كان قارئا حافظا عالما بالفرائض. توفي سنة ١٤٨ تذكرة الحفاظ (١ / ١٤٥).
(٣) هو أبو وائل شفيق بن سلمة ؛ شيخ الكوفة وعالمها ، توفي سنة ٨٢. (تذكرة الحفاظ ١ / ٥٦).
(٤) هو عبد الله بن مسعود. والحديث بهذا السند في صحيح البخاري «كتاب العلم» ونصه فيه : كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يتخوّلنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا» ؛ وهو بهذه الرواية في الفائق للزمخشري ١ / ٣٧٥.
(٥) تعاهد وتعهد ، تفقد. وفي اللسان : «تعهدت أفصح من تعاهدت ؛ لأن التعاهد إنما يكون بين إثنين».
(٦) كذا في الأصل ، وفي نهاية ابن الأثير : «وقال أبو عمرو : الصواب «يتحولنا» بالحاء ، أي يطلب الحال التي ينشطون فيها للموعظة فيعظهم فيها ، ولا يكثر عليهم فيملّوا. وكان الأصمعي يرويه : «يتخوننا» بالنون ، أي يتعهدنا».
(٧) ديوانه ٥٧١.