إما من عرب الضاحية (الحيرة) ، وإما جندوا من القبائل المتحالفة : وهي قبائل عجل وأياد وضبيعة. وانتهت القضية بتقتيل حقيقي لهؤلاء العرب والاستيلاء على أمغيشيا (١) ، وكانت أليس قلعة لها (٢). كما وقع الاستيلاء على الحيرة بالعنف نفسه. فقد ضرب الحصار على حصون القصر الأبيض وقصر العدسيين ، وقصر بني مازن ، وقصر ابن بقيلة حيث كان يوجد عمرو بن عبد المسيح (٣) الحامي الرئيسي للحيرة. ونشبت المعركة ودخل الجيش البيوت والأديرة ، وبدأ التقتيل ، فطلب سكان القصور الصلح ، لما كانت عليه المدينة والأديرة من عجز عن الدفاع ، وقبلوا بدفع جزية تبلغ ١٩٠ ألف درهم ، ووعدوا ، فوق ذلك بإرشاد الجيوش الإسلامية. وتجدد المشهد نفسه تقريبا في كل مكان : الشروع في التقتيل في المدينة الملاصقة للحصن ، واستسلام المدافعين عن الحصن بعد التفاوض على إبرام اتفاق. وكان يتم أحيانا إبرام معاهدة صلح بعد حصول اقتحام واضح لا جدال فيه : حدث ذلك في بانقيا وعين التمر (٤). ويروي الطبري الأمور وكأنه يريد إطلاعنا على القواعد الفقهية التي اعتمدها الفتح في البداية وقد يتعلق الأمر أيضا بإسقاط على الماضي. ويظهر خالد في هذه الروايات بمظهر أول شخص ينظم الفتح ويكتشف ويمارس قواعد تنظيمه الأساسية : مبدأ الصلح ، والعهد ، وبقاء الفلاحين في أراضيهم ، والتمييز بين العمل والثغر (٥).
وهكذا أنهي فتح نصف السواد (حتى دجلة) بعد إنجاز ضربة خاطفة ، ساعد عليها غياب الفرس من الساحة غيابا كاد يكون تاما ؛ ويمكن القول إن خالدا تعهد الفتح وكأنه وقع احتلال نهائي. روي أنه بقي سنة في الحيرة يقوم بدور الوالي الحقيقي على المنطقة الموجودة بين الفرات ودجلة (٦). وإن هو انطلق شمالا وقاد حملة قصيرة ، فذلك لكي ينجد أحد ضباطه المسمى عياض بن غنم الذي كان في وضع صعب. وجدّ في الأثناء يوم
__________________
(١) أثبتت الحفريات التي تمت في بابل عام ١٨٨٣ ، وجودUmmischigedia ولعلها تكون هي بذاتها أمغيشيا :. Wellhausen Prolegomena, p. ١٤
(٢) الطبري ، ج ٣ ، ص ٣٥٨.
(٣) الطبري ، ج ٣ ، ص ٣٦٤.
(٤) تحدث أبو يوسف عن الاستيلاء على هذه القرى عنوة ، كما تحدث أيضا عن عهد : كتاب الخراج ، ص ١٤٥ ، كان يرمي إلى وعظ الأمراء عن واجب احترام المعاهدات التي أبرمها سابقوهم.
(٥) يبدو أن خالدا ولى عمالا : فاتجه جرير إلى بانقيا وبسما أو باروسما ، واتجه بشير بن الخصاصية إلى بانبوره ، وسويد إلى نستار أو عقر ، الخ : الطبري ، التاريخ ، ج ٣ ، ص ٣٦٩. أما الثغور فكانت في حكم أربعة أمراء منهم المثنى والقعقاع بن عمرو المشهور.
(٦) الطبري ، التاريخ ، ج ٣ ، ص ٣٧٢.