ـ ١٨ ـ
شبيب (٧٦ ـ ٧٧ ه / ٦٩٥ ـ ٦٩٧) :
استطلاع ثان
حدث ثورة شبيب له أهمية قصوى وهو معبر في أكثر من نقطة ، ومن خلاله تتضح جغرافيا تاريخية كاملة بفضل جولاته السريعة الخاطفة عبر فضاء واسع يغطي منطقة نفوذ الكوفة ، في أذربيجان وبلاد الموصل وأرض جوخي والسواد ، والكوفة ذاتها ، وما حواليها في باديتها الواسعة. يبرز كل ذلك بصفة غير مباشرة أمام أبصارنا بحيث أصبح يشدنا إليه : أسماء المكان ، الطرق والمسالك ، وضع الريف ـ عالم من القرى والأديرة والسدود والقنوات ـ مستقرات البدو في الجزيرة والسواد والجبال ، أو المترامية في سباسب الكوفة. وفي الإمكان أن نستمد منها الكثير على الصعيد السياسي والاجتماعي والبشري ، لكننا لسنا بصدد النظر في ذلك لأن الكوفة التي اتجه إليها شبيب بعنف تبقى الشخصية الرئيسة. وتتسع دائرة الاكتشاف قليلا بوجود شبيب ، فترفع الكوفة شيئا من الغموض الذي يلفّ هيكلها ومحيطها.
نحن ملزمون بالرجوع إلى عموميات الطوبوغرافيا ، واللهث دوما وراء حقائق مستحيلة إلى أن نحصل على بعض التدقيقات. نبدأ بلحمة الأحداث كما رواها أبو مخنف الذي اعتمد عدة شهود وأسانيد (١) فانتاب التردد الرواية ونعتمد آخرين منهم عمر بن شبه (٢). يظهر أن شبيبا كان يرمي إلى بث البلبلة في جهاز السلطة بالعراق وتحديها ، وإشاعة الاضطراب في مواردها. والدخول حتى مركز الكوفة ، وكان ذلك هو الهدف الرمزي الأسمى فوفق ولو مرة واحدة على الأقل في ذلك ، دون أن يمدد إقامته. لكنّه أصرّ على الإحاطة بالمدينة المدافعة عن حياضها ، الخائفة ، فكان لا يكل في البحث عن ثلمة ينفذ منها فأصبح الجسر والسبخة ودار الرزق وكذلك أفواه السكك والقصر والجامع وخطة بني
__________________
(١) ولا سيما فروة بن لقيط الذي حضر الأحداث : الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٦٢ ـ ٢٦٧.
(٢) الطبري ، ج ٦ ، ٢٧٢ ـ ٢٧٦.