أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر » فكانت شهادته وحده أفضل من شهادتهم ، والرَّابع أنَّ أعداءه قد نقلوا ما نقله أولياؤه ممّا تجب به الحجّة وذهبوا عنه بفساد التأويل ، والخامس أنَّ أعداءه رووا في الحسن والحسين أنّهما سيدا شباب أهل الجنّة ، ورووا أيضاً أنَّه صلىاللهعليهوآله قال : « من كذب علىَّ متعمّداً فليتبوَّأ مقعده من النّار » فلمّا شهدا لأبيهما بذلك وصحَّ أنّهما من أهل الجنة بشهادة الرَّسول وجب تصديقهما لانّهما لو كذبا في هذا لم يكونا من أهل الجنّة وكانا من أهل النار وحاشا لهما الزّكيّين الطيّبين الصادقين ، فليوجدنا أصحاب جعفر خاصّة هي لهم دون خصومهم حتّى يقبل ذلك ، وإلّا فلا معنى لترك خبر متواتر لا تهمة في نقله ولا على ناقليه وقبول خبر لا يؤمن على ناقليه تهمة التواطؤ عليه ، ولا خاصة معهم يثبتون بها ولن يفعل ذلك إلّا تائه حيران. فتأمل ـ أسعدك الله ـ في النظر فيما كتبت به إليك ممّا ينظر به الناظر لدينه ، المفكر في معاده المتأمل بعين الخيفة والحذار إلى عواقب الكفر والجحود موفّقاً إن شاء الله تعالى أطال الله بقاءك وأعزك وأيّدك وثبتك وجعلك من أهل الحق وهداك له وأعاذك من أن تكون من الّذين ضلّ سعيهم في الحيوة الدُّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا. ومن الّذين يستزلهم الشيطان بخدعه وغروره وإملائه وتسويله وأجرى لك أجمل ما عوَّدك.
وكتب بعض الاماميّة إلى أبي جعفر بن قبة كتاباً يسأله فيه عن مسائل ، فورد في جوابها أمّا قولك ـ أيدك الله ـ حاكياً عن المعتزلة أنّها زعمت أنَّ الاماميّة تزعم أنَّ النَّص على الامام واجب في العقل فهذا يحتمل أمرين إن كانوا يريدون أنَّه واجب في العقل قبل مجيء الرُّسل عليهمالسلام وشرع الشرايع فهذا خطأ وإن أرادوا أنَّ العقول دلّت على أنَّه لابدّ من إمام بعد الأنبياء عليهمالسلام ، فقد علموا ذلك بالأدلّة القطعيّة وعلموه أيضاً بالخبر الّذي ينقلونه عمّن يقولون بامامته.
وأما قول المعتزلة : إنّا قد علمنا يقينا أنَّ الحسن بن عليٍّ عليهماالسلام مضى ولم ينَّص فقد ادَّعوا دعوى يخالفون فيها وهم محتاجون إلى أن يدلّوا على صحّتها وبأيِّ شيء ينفصلون ممّن زعم من مخالفيهم أنّهم قد علموا من ذلك ضدّ ما ادَّعوا أنّهم علموه.