ولم يأكلوهما هذا العام ، فحينما يصلون إلى «نوكنده» نتركهم حتى يشغلوا أنفسهم بالعنب والشمام وتكون مقدمتهم بلغت المدينة وعندئذ ننقض عليهم. فلما وصلوا إلى نوكنده تفرقوا فى طلب العنب والشمام والفاكهة ، وكانت مقدمتهم وصلت المدينة ، وعندئذ هاجمهم بخار خداة وزياد وحملا عليهم وقتلا خلقا عظيما وانهزم الباقون ، وفى أثناء ذلك سقط شريك بن الشيخ الذى كان صاحب دعوة هؤلاء القوم عن حصانه وقتل (١). ونزل زياد بن صالح على باب «ماخ» (٢) الذى يسمى الآن مسجد مغاك (أى مسجد الكهف) على ضفة النهر ، وأمر بإضرام النار فى المدينة ، وظلت المدينة تحترق مدة ثلائة أيام بلياليها وأمر بأن ينادى بأن كل من يخرج يعطى الأمان. وكان زياد قد ترك العسكر بعيدا عن المدينة حتى يخرجوا ، وفى هذه الليلة وصل ابن شريك وأحد كبار عسكره إلى باب المدينة ، فقبض على كليهما وحملا إلى زياد فأمر بصلبهما. وجبن أهل المدينة ولم يخرجوا بهذا النداء.
وبعد ثلاثة أيام جاء زياد إلى باب المدينة ونزل بقصر بخار خداة الذى كان على باب الحصار بريكستان (٣) ، وأمر بذهاب العسكر إلى باب المدينة وواصلوا الحرب ثانيا ، وكانوا يحاربون ويكبرون فتهتز الأرض ، واشتدت المعركة وخرج بضعة أشخاص من الأعيان ، ودار القتال بباب العطارين وقتل كثير من أهل المدينة ، وأمر زياد بصلب كل من يؤسر من المدينة على بابها ، واستولوا عليها آخر الأمر.
وحيما فرغ زياد من أمر بخارى ذهب إلى سمرقند وهنالك وقعت له حروب ثم ذهب إلى خراسان. والله أعلم.
__________________
(١) قتل شريك بن الشيخ المهدى سنة ١٣٣ ه (٧٥٠ م) [الزركلى : الأعلام ج ٣ ص ٢٣٩]
(٢) ماخ (Makh) بالخاء المعجمة ـ مسجد ماخ ببخارى ومحلة ماخ بها وهو اسم رجل مجوسى أسلم وبنى (جعل) داره مسجدا. [ياقوت : معجم البلدان ج ٧ ص ٣٥٢].
(٣) ك : هذه الكاف الفارسية تنطق مثل الجيم فى عامية أهل القاهرة.