وتنهاهى هذا الإحتجاج إلى الأنصار في لحظته ، فكثر فيما بينها الأخذ والرد ، وهتفت لعلى من جديد : لا نبايع إلا علياً ، ولكن هذا كان بعد فوات الاوان ، وعند تفاقم الأمر ، وبدرهم عبد الرحمن بن عوف موارباً في كلامه ، متناسياً ما هتفوا به : « يا معشر الأنصار ....... إنكم وإن كنتم أولي فضل ونصر وسابقة ، ولكن ليس فيكم مثل أبي بكر ولا عمر ولا علي ولا أبي عبيدة ».
وهو بهذا يدير الكلام دوران الرحى على قطب سواه ؛ ولكن زيد بن ارقم يدريك هذا المنحى ، ويجرد القول على وجهه :
« اننا لا ننكر فضل من ذكرت ياعبد الرحمن ، وإن منا لسيد الأنصار سعد بن عبادة ، ومن أمر الله أن يقرأه السلام وأن يؤخذ عنه القرآن اُبيّ بن كعب ، ومن يجيء يوم القيامة أمام العلماء معاذبن جبل، ومن أمضي رسول الله شهادته بشهادة رجلين وهو خزيمة بن ثابث ، وإنا لنعلم إن من بين من ذكرت من قريش من لو طلب الخلافة لم ينازعه فيها أحد وهو علي بن أبي طالب ».
كان هذا كلّه ينتهي لأمير المومنين علي ويجيل الفكر فيه ، ولكنه يكره الخلاف ، ويرى الصبر على الضميم اجدى عائدية ، فهو لا يريد الخلافة لنفسها ، ولكنه يريدها للإسلام ، هي وسيلة لتطبيق قانون السماء في الأرض.
ويلجأ عليٌّ آخر الأمر إلى طريق اُخرى تنجلي مغلقةً أمامه تماماً ، ولكنه يسلكها إلقاءً للحجة ، فيستقبل الليل مستنصراً تلكم الفتية من الأنصار الذين تلمكهم الاسي ، واستطارت بهم اللهفة ، واستبدّ بهم الأسف ، وإلى جنبه ابنة محمد فاطمة الزهراء ، يطلب الحق ، ويستعدي