اليوم ، وعسى علي أن يستعين بالميراث والنحلة وسهم ذوي القربى ، فتتجمع حوله الأنصار وذوو المأرب ، أو أنه ينفق ذلك بآراء معارضة ما ، أو مقاومة ما.
فما على أبي بكر إذن إلا أن يكفأ هذا الإناء بما فيه ، ويغلق هذه المقالة من منافذها ، رضيت الزهراء أم غضبت ، شاء المسلمون أم أبوا ، أذن علي أم اعترض ، فالسلطان فوق هذا كله ، فلا تردد ولا هوادة ، وهكذا كان.
هذا المال الطائل العريض من النحلة ، وهذا الحق المفروض من السماء ، وهذا الشيء اليسير من الإرث ، لا حظ لفاطمة منه. فقد عاد أثراً بعد عين ، ورسماً بعد وجود ، وتأريخاً مختلطاً قد يصدق وقد يكذب. وهذه القيادة لعلي يافعاً وشاباً ومكتملاً في تثبيت الإسلام وإعلاء كلمته وتأسيس قواعده وأركانه ، عفّى عليها الدهر ، وجرى بها الحدثان ، فلا يذكره متنفس ، ولا يلهج باسمه متحدث ، فهو من فتيان هذه الأمة ، وهو من شباب الإسلام ، ولا مكان له بين شيوخ قريش.
فالمصيبة ـ إذن ـ مشتركة بين الاثنين ، جردّت الزهراء من حقوقها المالية ، وجرّد علي من شؤونه السياسية ، فعادا فرسي رهان في الشكوى ، ورضيعي لبان في المأساة ، ومع هذا فما اتخذ الأثنان موقف المسالم ، ولا مالا الى الهدوء والاطمئنان ، وإنما ركبا الطريق الى المجاهدة ، وسلكا محجة العمل الواضح ، فعليٌّ لم يبايع أبا بكر طيلة حياة الزهراء يناظر ويجادل ويستقل ، والزهراء تحتج بأبلغ صنوف الاحتجاج ، تستعدي المسلمين تارة ، وتخترق مجتمعهم العائلي فتألب نساءهم تارة أخرى ، وتتناول القيادة بالشكوى والصراع والمجابهة أحياناً.