ومن البديهي عقليا أن الزهراء كانت محقّة فيما أثارت من إنكار ، ومحقة أيضا فيما أظهرت من ظلامة ، ومحقة كذلك فيما طالبت فيه من حقوق ، وذلك لأمرين مهمين :
الأول : ما عرفت به الزهراء من قداسة وتورّع في ذات الله ، فهي أبر وأوفى من أن تدعّي ما ليس لها من الحقوق ، ولم تكن لتخالف أباها فيما جاء به من سنن وفروض ، ولم تكن متظلمة باطلاً ، ولا معارضة جزافاً واعتسافاً ، فهي أورع من هذا كله ، وهي أزهد بحطام الدنيا مما يظن ، قلّ ذلك الحطام أو كثر.
الثاني : لو كان هناك أدنى شبهة فيما عرضت ، لكان علي وهو أعلم الناس ـ بالقرآن والسنة ـ بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأفقههم وأفضلهم ، لكان قد أبان لها وجهة النظر الشرعية وحكم السماء في دعواها ، ولكنه كان على العكس من ذلك فقد ساندها وأيدّها وأظهر صدق ما جاءت به ، فعلم بالضرورة صحة ما طرحت ، وصدق ما أدعت.
والمتتبع لسيرة الزهراء عليهاالسلام منذ أن ترعرعت يجدها سيرة نضرة متكاملة ، أضفى عليها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم برداً من الخلق المحمدي ، وأدّبها بأدبه العظيم ، وبصّرها بأمور الدنيا والدين ، فهي بضعة منه ، وقطعة من كبده ، وشجنة من جسده ، بل هي صورة من صوره الرائعة ، غذّاها بالحكمة ، وأصطفاها بالمنزلة ، يرضيه ما يرضيها ، ويغضبه ما يغضبها ، وذلك مضامين أحاديث نبوية شريف ، ولم يكن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليوارب في دينه ، ولم يكن لينساق بعاطفة الأبوة ، فما ينطق عن هوى ، ولا يصرّح عن عصبية ، وإنما يضع الأمور في نصابها ، ويتحدث في حدود الشرع ، وهو أحق من أتبع ، وأصدق من نطق ،