وكذلك كانت ابنته منزهة عن الزلل ، وبعيدة عن الزيغ ، تقول صدقاً وتنطق حقاً.
قال ابن أبي الحديد : « سألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد ؛ فقلت له : أكانت فاطمة صادقة؟ قال : نعم ، قلت : فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكاً وهي عنده صادقة؟ ، فتبسم وقال : لو أعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجاءت إليه غداً ، وأدّعت لزوجها الخلافة ، وزحزحته عن مقامه ، ولم يمكنه الإعتذار والمدافعة بشيء لأنه يكون قد أسجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ».
وهنا يكمن جوهر القضية فيما يبدو ، فأراد أبو بكر إغلاق هذا الباب الواسع فأخترع « نحن معاشر الأنبياء لا نورث » فهجرته فاطمة حينئذٍ ، ولم تكلمه حتى ماتت بإجماع المؤرخين إلا لماماً عند مرض الموت فيما سنعرفه فيما بعد.
حقاً لقد أعذرت الزهراء عليهاالسلام فيما حاججت به أبا بكر ، لقد جعلته يغصّ بريقه ، ويتعثر بمعاذيره ، ولفتت إليها النظر العام في ظلامتها ، إذ اقتحمت عليه مسجد رسول الله في تمام الأهبة ، فاحتجت وحرّضت واستصرخت وأبلت بلاءً حسناً ، إحقاقاً للحق ، وإرضاءً للضمير ، وصونا لمعالم الدين من الإنحراف ، وإلا فهي أعلا جانباً ، وأكرم محتداً ، وأطيب نفساً ، من أن تجنح للكلام جدلاً.
قال أغلب المؤرخين عن عائشة أم المؤمنين وعن سواها من نساء المسلمين : لما سمعت فاطمة إجماع أبي بكر على منعها فدكاً والأرث وسهم ذوي القربى ، لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ ذيولها ، ما تخرم من مشية