وقد يعلل عمر (رض) هذا بغيره ، لسميره ورفيق خلواته عبد الله بن عباس ، فقد قال له يوماً :
يا عبد الله ما تقول في منع قومكم منكم؟ فقال ابن عباس : لا أعلم ، فقال عمر : « اللهم اغفر ... إن قومكم كرهوا أن تجتمع لكم النبوة والخلافة ، فتذهبون في السماء بذخاً وشمخاً. إن قومكم لينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره يا عبد الله ».
ولقائل أن يقول لعمر : كيف اجتمعت النبوة والخلافة عندك في الشورى؟ وإن بني هاشم لم يذهبوا بالنبوة بذخاً وشمخاً حتى يذهبوا لذلك بالخلافة ، وأن هذا المنطق ليس من الدين في شيء ، أما أن العرب ينظرون إلى علي عليهالسلام نظر الثور إلى جازره ففيه كثير من الصواب ، لأن علياً أقام أودهم بسيفه ، وضربهم به حتى قالوا : لا إله إلا الله ، ولكن الحق خلاف هذا فعليّ حملهم على الإسلام ، وإذا آمن العرب بذلك عدوه منقذاً لهم ، إلا أن نخوة الجاهلية بعد لم تزل ، والإيمان لما يستقر في القلوب ، فكأن عمر نظر إلى أحلام العرب في جاهليتهم.
ولم يكن علي عليهالسلام بمنأى عن هذه اللذعات ، ولا بعيداً عن أمثال هذه المناجاة ، فقد كانت تصل إليه أولاً بأول ، ولا يعير لها اهتماماً كثيراً لأنها مما يتعلل به ليس غير ، ولا سبيل إلى إقتناعه بها لعلمه بمغزاها وفحواها ، فما وجد في نفسه على شيء ، ولا أسف على أمر ، لأنه يرى الخلافة وسيلة لا غاية ، وسيلة إلى إقامة حكم الله وسنة نبيه بين الخلائق ، لا غاية إلى سلطان وإثرة واستعلاء ؛ وهنا تتجلى نقطة الافتراق في التفكير ، لذلك ما ترك نصحه لولاة الأمور ، ولا تجاوز مقدوره في مراعاة الأحوال ، لأن في ذلك رعاية لحق الإسلام ، وصيانة