فنهره عبد الرحمن بن عوف قائلاً : « ما أنت وذاك يا مقداد ». فاضطرب المقداد تأثراً وقال :
« أما وأيم الله يا عبد الرحمن ، لو أجد على قريش أنصاراً لقاتلتهم كقتالي إياهم مع رسول الله يوم بدر ».
وصرخ عمار بن ياسر هادراً : « يا معشر قريش : أما إذا صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم ، ها هنا مرة ، وها هنا مرة ، فما أنا بآمن عليكم أن ينزعه الله فيضعه في غيركم ، كما نزعتموه من أهله ، ووضعتموه في غير أهله ».
وذهب احتجاجهما أدراج الرياح ، وحاول سواهما النهوض للكلام فقطع عثمان ذلك وأدلى بأول بيان رسمي له ، والخواطر الكئيبة تجول في نفسه ، وبوادر الفرقة تظهر في الأفق ، وكأنه يريد أن يتدارك ما حدث أو سيحدث بالموعظة وملحظ التزهيد :
« إنكم في دار قلعة ، وفي بقية أعمار ، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه ، فلقد أتيتم ، صبحتم أو مسيتم ». وحمل نفسه بخطواته المثقلة إلى الدار حيث اجتمع بنو أمية في غمرة من الفرح والزهو والاستعلاء ؛ وفي طليعتهم أبو سفيان بن حرب شيخ الأمويين ، والتفت إليهم قائلاً : أفي المجلس من يحتشم؟ قالوا : لا ، فقال كلمته الشهيرة : « يا بني أمية : تلقفوها تلقف الكرة ، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار ، وما زلت أرجوها لكم ، ولتصيرن إلى صبيانكم ».
فتطاول من في المجلس لهذه الدعوة الخطيرة ، واشرأبت أعناقهم لهذا النداء الصارخ ، وتطامنوا لهذا التصريح الإلحادي ، وكادت النشوة أن تذهب كل مذهب ، لولا أن يتدارك الأمر عثمان فينهر أبا سفيان ؛