وكان الأدهى والأمر أن يكتب أصحاب النبي في المدينة إلى أصحاب النبي في الثغور يستقدمونهم لجهاد عثمان حتى ورد قولهم : إنكم خرجتم تطلبون الجهاد ، وإنما الجهاد وراءكم ، فارجعوا إلى المدينة لإقامة الدين والسنة.
ولم تكن الأمصار في منأى عن هذه المعارضة داخل المدينة ، فقد أسفروا إليها من يمثلهم ، وكانت المناظرات بين عثمان وبينهم شديدة.
فقد سمع جبلة بن عمر وبعض قومه يردون السلام على عثمان ، فقال : أتردون على رجل فعل كذا وكذ ، ثم أقبل نحو عثمان وفي يده جامعة من حديد فقال له « والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه » فقال عثمان : أي بطانة؟ فوالله إني لا أتخير الناس ، فقال جبلة : « مروان تخيرته ، ومعاوية تخيرته ، وابن عامر تخيرته ، وابن أبي سرح تخيرته ، منهم من نزل القرآن بذمّه ، وأباح رسول الله دمه ».
وكانت حجة جبلّة قوية ، وتشخيصه لإنكار الناس دقيقاً ، فسكت عثمان لا يدري ما يقول ، فأردف جبلّة قائلاً : « والله لأقتلنك يا نعثل ، ولأحملنك على قلوص جرباء ، ولأخرجنك إلى حرة الناس ».
وتسامع الناس بالحدث ، فلاقى هوى في نفوسهم ، فازدادوا سخطاً على عثمان ، وتجرأوا عليه ؛ وكان أهل البصرة قد اختاروا رجلاً زاهداً من بني العنبر اسمه عامر بن عبد القيس ، يمثلهم في النكير على عثمان ، فأدخل عليه ، وقال :
« يا أمير المؤمنين : إن أناساً من الصحابة اجتمعوا فنظروا في أعمالك ، فوجدوك قد ركبت أموراً عظاماً ، فاتقِ الله عز وجل ، وتب إليه ، وانزع عنها ».