أمر عثمان ، فيبلغك ولا تغيّر على معاوية.
وكانت هذه السفارة جديرة أن يفيد منها عثمان درساً قيماً ، فقد صور له الإمام بإيجاز إنكار المعارضة في الفيء والتولية ، وكان الجواب أنهم رحم وأقرباء ، ولكنه ما أفاد منها شيئاً ، ولا التفت إليها بل وجد في نفسه على الإمام ، ووجد في نفسه ولسانه على الناس ، فخرج إلى المسجد ، وخطب خطبته النارية التي عنف بها كثيراً ، وتطرف كثيراً ، وخالف فيها سجيته في اللين والرّقة ، فاستمع إليها الثائرون ، وتفرقوا عنها مصممين على قتله دون شك ، فقد جلس على المنبر ، وقال بلهجة صارمة وحدة غير متوقعة :
« أما بعد فإن لكل شيء آفة ، ولكل أمر عاهة ، وإن آفة هذه الأمة ، وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون ، يرونكم ما تحبون ، ويسرون ما تكرهون ، يقولون لكم ويقولون ، أمثال النعام يتبعون أول ناعق ، أحب مواردها إليها البعيد ، لا يشربون إلا نغصاً ، ولا يردون إلا عكراً ، لا يقوم لهم رائد ، وقد أعيتهم الأمور ، وتعذرت عليهم المكاسب ، ألا فقد والله عبتم عليّ بما أقررتم لابن الخطاب بمثله ، ولكنه وطأكم برجله ، وضربكم بيده ، وقمصكم بلسانه ، فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم ، ولنت لكم وأوطأت لكم كنفي ، وكففت يدي ولساني عنكم ، فاجترأتم علي. أما والله لأنا أعز نفراً ، وأقرب ناصراً ، وأكثر عدداً ، وأقمن إن قلت هلم أُتي إلي ، ولقد أعددت لكم أقرانكم وأفضلت عليكم فضولاً ، وكشرت لكم عن نابي ، وأخرجتم مني خلقاً لم أكن أحسنه ، ومنطقاً لم أنطق به. فكفوا عليكم ألسنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم ، فإني قد كففت عنكم من لو كان هو الذي يكلمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا ، ألا فما تفقدون من حقكم ، والله ما قصرت في بلوغ ما كان يبلغ