قد أجلب على عثمان حتى قتل ، وقد حاولا رفع هذه التهمة بكثير من الدوران الذي لم يخفَ على الناس قريبهم وبعيدهم ، فهما صاحبا عثمان بالأمس ، كثّرا عليه ، وخذّلا عنه ، وألبّا الناس وأسلماه ، فهما في حرج من نصب أنفسهما ، وترشيح ذاتيهما لمقامه.
وكان المصريون ـ وهم زعماء الثورة ضد عثمان ـ أكثر الناس حذراً ، وأشدّهم تحرزاً ، فضيقوا على طلحة والزبير فسحة الأمل ، وبادروا إلى إتخاذ القرار المناسب ، وتوجهوا إلى أهل الحل والعقد من بقية المهاجرين والأنصار في المدينة ، وقالوا : يا أهل المدينة : إنكم أهل الشورى ، وأنتم تعقدون الإمامة ، فانظروا رجلاً تنصبونه ونحن لكم تبع ».
فهتف الناس في ذلك الحشد « عليّ لنا رضى ، نحن به راضون ».
قالوا ذلك جميعاً بما فيهم طلحة والزبير ، لم ينافس علياً أحد في الترشيح ، ولم ترشح الجماهير سواه للخلافة ، وقال ممثلهم عمار بن ياسر :
« أيها الناس : إنا لن نألوكم خيراً وأنفسنا إن شاء الله ، وإن علياً من قد علمتم ، وما نعرف مكان أحد أحمل لهذا الأمر منه ، ولا أولى به ».
ورضي الناس بهذا العرض وأمنوا عليه ، وانطلقوا إلى أمير المؤمنين وهو في عزلته ، وقالوا :
« يا أبا الحسن : إن هذا الرجل قد قتل ، ولا بد للناس من إمام ، ولا نجد اليوم أحداً أحق بهذا الأمر منك ، ولا أقدم سابقة ، ولا أقرب من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ».