خرجوا للغنيمة لا للحرب ، فصكوا بالحرب لا بالغنيمة ، وقد إدخّر لهم الله النصر والغنيمة ، وأي نصر هذا الذي ينتظر هذه الفئة القليلة ، إنه النصر المؤزر الذي ذهب بجبروت قريش وطغيانها ، النصر الذي ثبّت الذين آمنوا تثبيتاً فأزدادوا إيماناً ، بل فتح عليهم مغالق الحياة بعد عسرها ، فإلى جنب النصر الغنائم وفداء الأسرى ، فينتقلون - بعض الشيء - من حياة الجفاف المحض إلى يسير من الدعة والخفض.
وكان عليٌّ عليهالسلام السبّاق إلى هذه المعركة إلى ساحة « بدر الكبرى ».
ولم يكن ذا صيت في الحرب إذ لم يحارب إلا لماماً ، ولم يكن ذا سن متقدمة عركتها ميادين القتال ، كان قد قارب الخامسة والعشرين أو دون ذلك بقليل ، وإذا بعلي يحمل لواء الحمد في يد ، والسيف في يد ، وتتجمع قريش في « بدر » بين مكة والمدينة يقودها الحين ومصارع السوء ، ويتحلق المسلمون حول بدر ، وتبدأ في السابع عشر من رمضان ذاك العام أعظم معركة بين الوثنية والإسلام ، والنبي يعبىء أصحابه ، ويعّد المقاتلين ، ويسوي الصفوف بنفسه ، وهو يرمق السماء تارة ، ويرمق أصحابه تارة أخرى ، يستنزل النصر :
« اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ، وان شئت أن لا تعبد لا تعبد » فيثبت الله المسلمين ويقلل في أعينهم عدّة المشركين وهم في حدود الألف من الرجال، ويقلّل الله في أعين المشركين عدة المسلمين وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ليقدم كل فريق على الحرب ، ويمدّ الله نبيه بالملائكة المردفين ، ويصطّف الجمعان ، جمع المسلمين وجمع القرشيين ، وتنتدب قريش أحدها ليخبرهم أمر القوم ، وإذا بالرائد بعد جولته حوالي المسلمين يعود إلى قريش ليقول : « إن نواضح يثرب