وكان نزول أمير المؤمنين الكوفة ضرورة تفرضها طبيعة الحياة السياسية المفكرّة ، فهو قد استخلف سهل بن حنيف على قلب الدولة الإسلامية : المدينة المنورة ، وهو قد ولى عبيد الله بن العباس جنوب الدولة الإسلامية : اليمن ، وقد أرسلت مصر ولاءها وحباءها وتجاوبت مع الوالي الجديد قيس بن سعد بن عبادة ، وقد التجأ فريق من المنهزمين ، ونفر ممن رفض البيعة للإمام ، وآخرون من ذوي المطامع ، فالتحقوا بمكة ، ممن لا يخاف كيدهم ، فقصارى ما يتمكنون منه الثرثرة والكراهية تارة ، وتزويد معاوية بالأنباء تارة أخرى ، وقد سبق استتباب الأمر في البصرة ، فلم يبق أمام الإمام إلا الشام ؛ وإقامة أمير المؤمنين في الكوفة تهيئ له رجال الكوفة وأبطال البصرة وسواد السواد ، ومعه المهاجرون والأنصار ، وبقية أعيان بدر ، فالمرابطة في الكوفة والحالة هذه تستقطب عدة إيجابيات في سياسة الإمام ، أهمها :
١ ـ الابتعاد بالفتن والحروب عن مدينة الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد أقبلت ـ كما يراها الإمام ـ كقطع الليل المظلم.
٢ ـ وتوسط الكوفة كيان الدولة الإسلامية يدعو إلى التمركز فيها سياسياً ، والتجحفل فيها عسكرياً ، فالعراق في حدود طويلة مع الشام ، والعراقيون يريدون أن يأمنوا كيد معاوية ، وقد نصروا علياً وهو قريب منهم ، والإعداد للمعركة القادمة عن قرب خير من الإعداد لها عن بعد.
٣ ـ الكوفة تمحض الولاء الخالص لأمير المؤمنين وأهل البيت عليهمالسلام وزعماء الكوفة قد رغبوا بتأكيد أن ينزل الإمام فيهم ، فنزل الإمام فيها لا بقصر الأمارة ، ولكن في دار ابن أخته جعدة بن هبيرة المخزومي ، وأمه أم هاني بنت أبي طالب أخت الإمام عليهالسلام.