فكانت جملة هذه العوامل مدعاة من الوجهة السياسية والعسكرية أن يتخذ الإمام الكوفة عاصمة له ريثما تستقر الحياة السياسية ويعطي رأيه فيما بعد ، ولكن سترى أن الأقدار قد فرضت بقاء علي عليهالسلام في الكوفة حتى استشهاده وما يدرينا فقد يكون ذلك عن إرادة وتصميم مقصود إليه.
وقد علمت أن أمير المؤمنين كان قبل حركة الناكثين يتأهب لحرب أهل الشام ، وقد أرجأ هذه الحرب خروج المتمردين ، فحول إتجاهه من الشام إلى البصرة ، ولما عادت المياه إلى مجاريها نوعاً ما ، أعاد الكرة فيما خطط له أولاً ، وأصبح من السهل عليه مجابهة أهل الشام وهو في الكوفة ، من مجابهتهم وهو في الحجاز والكوفة بعدُ قلب الدولة جغرافياً.
وفي الشام خصم تأريخي عنيد للإسلام وأهل البيت ، وهو معاوية ، وهذه الخصومة تأريخية تمتد جذورها إلى الجاهلية ، وتتحكم أصولها في فجر الدعوة الإسلامية وضحاها ، وهي تستمر حتى ظهر الإسلام وعصره ، بل إلى اختفاء الدولة الأموية في عام ١٣٢ هـ. باستثناء فترة حكم عمر بن عبد العزيز.
لا نريد أن نبحث فصول هذه الخصومة في الجاهلية ، فليس في ذلك كبير أمر ، والذي يعنينا أن نلقي ضوءاً كاشفاً عليها في ظل الإسلام ، فحينما صدع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم برسالته ، وقف البيت الأموي بقيادة عتبة وشيبة ابني ربيعة ، وأبي سفيان بن حرب يناهضون الرسالة قولاً وعملاً ، ويحاربون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سراً وجهاراً ، فالأذى والإستهزاء والتكذيب منهم بعض مظاهر هذه المناهضة ، وتزعّمُ المعارضه له بتأييد طواغيت قريش مظهر آخر منها ، وامتحان المستضعفين من المسلمين