المطاع دون الإستعانة برأي عثمان ، وكان القوة التشريعية والسلطة التنفذية والقدرة القضائية في الشام.
واستمر في سلطانه هذا طلبة عشرين عاماً وهى مدة ولايته وكانت هذه المدة كفيلة بأن تكسبه خبرة في الإدارة ، وأن تزيده معرفة بأولاع الناس ورغباتهم ، فساسهما معاً ، وكانا عوناً له في مطالبته بالخلافة تحت ستار المطالبة بدم عثمان ، ... واستصرخه عثمان في محنته ، واستنجد به عند حصاره ، ولكنه تربّص به تربص الكائدين ، وأغمض عنه بمكر ودهاء ، فما لبّى له دعوة ، ولا أغاثه بنصرة ، حتى قتل عثمان ، فرفع قميصه طالباً بدمه ، وكان قديراً على حقن هذا الدم قبل إراقته.
وكانت سياسة معاوية في الشام سياسة مُلكِ لا سياسة دين ، يستصفي ما يشاء ومن يشاء بما يشاء من القبائل بالمصاهرة تارة ، وبالأموال تارة ، وبهما وبالتقريب من الإستشارة ، والتلويح بالولاية كلما دعت الحاجة إلى ذلك ، وكان يتألف رؤساء القوم بالعطاء والحباء ، ويتعامل مع القادة بالاستضعاف المصطنع واللين ، ويسوس الرعية بالحلم الزائف والرأفة الكاذبة ، حتى جمع حوله القلوب ، واستجابت له النفوس ، ولم يقتصر بهذه السياسة على الشام ، وإنما تعدّى حدودها إلى العراق أيضاً ، فهو يغري ويعد ، يغري بالأموال الطائلة ، ويعد بالمناصب الرفيعة ، يكاتب زعماء القبائل والأشراف في الكوفة والبصرة سراً ، مرغباً تارة ومرهباً تارة أخرى ، ويستطلع أخبار علي عليهالسلام ، وأنباء جيشه أولاً بأول ، له عيونه وأمناؤه ، وله كيده ووسيلته ، يشتري الضمائر ويؤلب الناس ، ويستهوي القادة ، حتى أطمأن لسياسته هذه ، فشحن أهل الشام شحناً مريعاً في مظلومية عثمان ، وجرّد من نفسه وليَّ دمه ، جمع