وأشرأبت العصبية القبلية بعنقها المهزوز لتفرض أبا موسى الأشعري ممثلاً عنه في هذه المحنة ، وأبو موسى هو صاحبه بالأمس الذي خذّل عنه الكوفيين ، وأراد الإمام ابن عباس أو الأشتر للتمثيل ، ولكن الأشعث أبى ذلك ، فكان الأشعري ممثل الإمام ، وكان عمرو بن العاص ممثل معاوية ، وكان الإمام مكرهاً بقبول الهدنة ، ومكرهاً في اختيار ممثله ، وسارت الأمور كما شاء أعداؤه ، فتولى الأمر من ليس جديراً به ، ولم يستطع الإمام حتى ترشيح الأحنف بن قيس ليكون تالياً لأبي موسى.
وهكذا اجتمع الفريقان بعد خطوب وخطوب ، فكتبوا صحيفة بوضع الحرب ، وتشخيص الحكمين ، وتحديد الزمان والمكان ، للبتّ في الأمر ، وتأليب المسلمين على من خالف بنود هذه الصحيفة ، وكان جوهرها :
« أننا ننزل عند حكم الله ، وبيننا كتاب الله فيما اختلفنا فيه من فاتحته إلى خاتمته ، نحيي ما أحيا ، ونميت ما أمات » كان هذا لب الحكومة ، وفحوى الصحيفة ، وفيها : « فما لم يجداه في كتاب الله ، عملا فيه بالسنة الجامعة غير المفرّقة ».
وكان كل هذا حبراً على ورق ، وبيتاً من ثلج ، فكتاب الله يدعو إلى قتال الفئة الباغية صراحة حتى تفيء إلى أمر الله ، وسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تؤخذ من علي عليهالسلام فهو وريثها الشرعي ، والسنّة لا تهادن باطلاً ، ولا تدفع حقاً ، ولا تؤوي باغياً ، وواضح من نصوص الصحيفة التي كتبت دون مراجعة الإمام أن كتابّها لم يحكموا الأمر ، وإنما أوقفوا الحرب ، وقد تناست هذه الصحيفة أهم ما قامت عليه الحرب : امتناع معاوية عن بيعة الإمام أولاً ، ومطالبة معاوية بدم عثمان ثانياً.