وقد طوي هذان الموضوعان المهمان طياً عجيباً ، فكانت الصحيفة تنبي عن مكر وغدر عظيمين ذهب ضحيتهما كيان الإسلام.
وهنا بدرت شعيرة الخوارج « لا حكم إلا الله » واعترضوا على تحكيم الرجال في دين الله. وكان شعار الإمام كما أرادوا استمرار القتال للفئة الباغية وجوهره « لا حكم إلا لله » ما في ذلك شك ، ولكنه كان مغلوباً على أمره ، فرفق بهم ، ورآهم قلة لا تغني مع الكثرة الساحقة ، فنصح لهم وأمرهم بالهدوء ، وهدأوا حيناً ما ، ولكنه الهدوء الذي يسبق العاصفة كما سنرى.
وقد ضاق الإمام ذرعاً بأصحابه ، فألقى الحبل على الغارب ، وأبان لهم : أن إمامهم يطيع الله وهم يعصونه ، وأن إمام أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه ، وتمثل بقول دريد بن الصمة :
أمَرتُهُمُ أمَري بِمُنعَرجِ اللِوى |
|
فلم يَستبينوا النصحَ إلاّ ضُحى
الغَدِ |
فَلَمَّا عصوني كنتُ فِيهم وقد أرى |
|
غِوايَتهم ، وأنني غيرُ مُهتدي |
وَهَل أنا إلاّ مِن غُزِيَةَ إن غَوَت |
|
غَويتُ ، وإن تُرَشَد غُزَية أرشد |
إستكره عليّ عليهالسلام على ترك القتال ، وإستكره أيضاً على قبول الحكومة ، وإستكره أيضاً ولم يشاور في كتابة الصحيفة ، وأنكر الخوارج التحكيم ، واعتزلوا الفريقين ، وأنحازوا إلى حروراء ، ولم يدخلوا الكوفة بعد الحرب ، وكان هناك جدل وتطاول وإحتجاج بين الذين اتبعوا الإمام مسلمين ، وبين هؤلاء الخارجين ؛ وكان عليٌّ عليهالسلام يصرح بأنه استكره على ترك القتال ، وإنما الناس أرادوا العافية وكرهوا القتال ، وأراد الإمام أن يرجع الخوارج إلى الجماعة ، وأن يجنبهم سوء المنقلب ، وأن يستصلح القسم الأوفر منهم ، فكانت مناظرات انتصر الإمام في أغلبها ، وأصلح ما استطاع منهم ، وأبان أن الله قد حكمّ في