الصيد الناس ، وحكمّ في الشقاق الناس ، وكانت آية التحكيم في كل منهما سبيلاً إلى إعذاره عندهم ، وقالوا قد محوتَ أنك أمير المؤمنين ، كأنك شككت في إمرتك لهم ، فأبان أن رسول الله محا في صحيفة الحديبية وصفه بأنه رسول الله ، وهو رسول الله حقاً ، فثاب منهم جماعة ، ورجع آخرون ، ودخلوا الكوفة ، وأصرت طائفة كبيرة منهم على العناد ، فأرسل الإمام إليهم ابن عباس استصلاحاً لشأنهم ، وأمره بأن لا يحاججهم بالقرآن فإنه حمّال ذو وجوه ، وإنما يحاججهم بالسنة ، فناظرهم ابن عباس بهما مناظرة مقنعة ، فثاب إلى الرد منهم جماعة تقدر بألفين أو ثلاثة آلاف ، وعادوا مع ابن عباس إلى الكوفة.
وحينما أنكر الخوارج تحكيم الرجلين ؛ أبان لهم الإمام بأنه أخذ عليهما العهد أن يحكما بما في كتاب الله ، فإن حكما بذلك فالحكم لله ، وإن خالفا عما في كتاب الله فلا حكم لهما ولا طاعة.
وقد تأثر القوم بما ساقه الإمام من الحجج الدامغة ، فانصاعت منهم طائفة كبيرة ، فقال لهم الإمام : « ادخلوا مصركم رحمكم الله ». فدخل القوم بانتظار أمر الحكمين ، ودفع الإمام بالتي هي أحسن ، ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.
وعاد علي عليهالسلام إلى الكوفة ، ومعه جمهرة لا يستهان بها من هؤلاء ، قد إعتقد بأنه أصلحهم أو أقنعهم أو أفحمهم ، ولكن قسماً منهم لم يكن كذلك ، فما لبثوا أن حكموا في المسجد يقاطعون خطب الإمام بشعارهم : « لا حكم إلا لله » فكان يقول : « كلمة حق أُرِيدَ بها باطل » إذ لا بد للناس من حاكم بأمر الله.
وقد ظهرت معارضة هؤلاء في الكوفة على أشدّها حتى خرج بعضهم منها منابذاً ومغاضباً ، وترك لهم الإمام الحرية وقال :