الشام ، إلا أن طلائع الخوارج في النهروان قد عرقلت المسيرة ، وأرجأت الزحف ، فقد تداعوا سراً وعلناً وعادوا إلى التحكيم ، وخرجوا زرافات ووحداناً إلى النهروان ، وإنهم لفي طريقهم إذ أدركوا الصحابي الجليل عبد الله بن خباب بن الأرت ، وهو وأبوه من المعذبين في الإسلام على أيدي طواغيت قريش ، التقوا بعبد الله هذا ، وفي عنقه كتاب الله تعالى طلباً للأمان ، ومعه امرأته وهي حامل استدراراً للعطف والرحمة ، فقتلوه ذبحاً ، وقتلوا زوجته وولدها ذبحاً أيضاً ، وتركوهم قتلى مجردين على شاطىء الفرات ، ذلك أنهم استطلعوا رأيه في الإمام فأثنى عليه خيراً ، وقال حقاً.
ووصل النبأ إلى الإمام عليهالسلام فأرسل إليهم يستنكر هذا الإفساد في الأرض ، ويطلب إليهم تسليم القتلة ، فامتنعوا عن ذلك ، وأجابوا : كلنا قتلة ابن خبّاب ، وسار إليهم الإمام بنفسه فوعظهم ما شاء له الوعظ ، وحذرهم ما استطاع إلى التحذير سبيلاً ، فركبوا رؤوسهم ، وطلبوا إليه أن يشهد على نفسه بالكفر فقال لهم :
« بعد إيماني بالله وهجرتي ، وجهادي مع رسول الله ، أشهد على نفسي بالكفر ، لقد ضللت إذن ، وما أنا من المهتدين ، وَيحَكُمْ بم إستحللتم قتالنا والخروج عن جماعتنا؟ » فما كان جوابهم إلا أن امتشقوا السيوف ، وشهروا الرماح وتنادوا من كل جانب « هل من رائح إلى الجنة » ويجيب بعضهم بعضاً « الرواح إلى الجنة » وإذا بهم يشدّون على ميمنة الإمام وميسرته ، فينفرق لهم الجيش ، ويستقبلهم الرماة بالنبل ، وتحتدم المعركة ، ويندلع لهيبها عالياً ، ويباشر الإمام القتال بنفسه ، وإذا بالقوم صرعى كأمس الدابر.
وكان عليّ عليهالسلام قد أخبر أصحابه عند القتال بأنه : لا يقتل