خير الخلق ، وأقربهم عند الله وسيلة ».
وما هي إلا ساعات من نهار حتى فرغ عليٌ عليهالسلام من قتال الخوارج بالنهروان ، ولكنه لم يفرغ من فلولهم ، ولم يقطع مادتهم ، فهم يتسللون من الكوفة لواذاً ، وهم يتجمعون أشتاتاً ، فيقلقون الدولة ، وتزداد قوتهم يوماً بعد يوم ، وكان عليّ عليهالسلام رفيقاً بهم حيناً ، وعنيفاً حيناً آخر ، فهو لا يعرض لهم ، ولا يقطع جراياتهم ولا يبدؤهم بحرب ، حتى إذا بدرت منهم بادرة ، أو نجمت ناجمة قابلها بتسيير جند إليها يقمعها ، أو واعظ يزجرها ويفرقها ، ولكن الأمور تدهورت ، والأحداث قد تطورت نسبياً ، فما إن تخمد للخوارج حركة حتى تشب حركة أخرى ، وما إن تنتهي معركة حتى تبدأ معركة مثلها ، فهم بين مدّ وجزر ، والإمام بين قتال وكفاح ، هم يطمعون بعدله ، أو يطمعهم فيه عدله ، وهو يطمح لإصلاحهم ، وصلاحهم حتى إذا أشتدت شوكتهم على يد الخرّيت بن راشد ، وكان وقحاً شديداً ، جمع إليه أخلاط الناس ، وتدرع بالعلوج والأعاجم ، وتهيأ للخروج على الإمام ، ولقد جبه الإمام علياً بين الناس ، وقال له مجاهراً غير هيّاب ولا متوجل : « والله لا أطعتُ أمرك ، ولا صليت خلفك ».
فقال له أمير المؤمنين : « إذن تعصي ربك ، وتنكث عهدك ، ولا تغرّ إلا نفسك ، ولم تفعل ذلك ». فقال : « حكمت الرجال ، وضعفت عن الحق ، وركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم ، فأنا عليك زارٍ ، وعليهم ناقم ».
وأسمح عليّ عليهالسلام له من نفسه ، ودعاه إلى المناظرة ، فأبى عليه ، وقال : أعود إليك غداً ، فتركه الإمام وشأنه ، ولم يعد الرجل إليه ، وإنما انطلق إلى قومه بني ناجية ، وكان ذا رأي لديهم ومطاعاً