على التخريب المتعمد ، فأراد أن يدخل الرعب في قلوب العراقيين ، وأن يضعف المعنويات لدى المقاتلين وقد بلغه أن علياً عليهالسلام يعدّ العدّة للعودة إلى صفين ؛ فاتخذ لنفسه منهجاً جديداً بتسيير قطع من جيش أهل الشام نحو أطراف العراق ، وأمر هذه القطع بالإغارة والنهب والقتل ، وإشاعة الخوف والرهبة في قلوب العراقيين ، وكان المتآمرون على الإمام من الداخل يوغلون بالتمادي مستغلين ورع الإمام وسماحه ، فوقفوا موقف الإنتهازي المستفيد ، وتجلببوا بجلباب الحاقد المنتقم ، ورأى معاوية ذلك فأمدّهم بالأموال الطائلة ، وأجزل لهم العطايا والهبات ، ومنّى كثيراً منهم بالإمارة والولاية ، ولوّح لبعضهم بالإصهار إليه أو منه ، فكان هؤلاء خطّاً معادياً ، له كيده وفكره ضد الإمام ، فتألّبوا عليه سراً ، وتقاعسوا عنه جهاراً ، فكانوا إلباً على إمامهم ، وعوناً لعدوهم ، فمهّدوا لمخططات معاوية تمهيداً ، وحسنوا له مساوءَهُ وانتهاكاته ، وزينوا له سوء عمله ، وآنسوا لهذا الترويع المستمر لسواد العراق ، وشجّع ذلك معاوية في إرسال السرايا الصغيرة ، وقطع الجيش المترصدة ، يقوم عليها أتباعه من ذوي الضمائر الميتة والأكباد الغليظة ، ويأمرهم فيها بالغارة المنظمة والمرتبة قتلاً ونهباً وترويعاً ، فكان له ما أراد : خوف شامل ، واستقرار مزعزع ، وغنائم باردة ، يعز معاوية بها سلطانه ، ويضعف بها الإمام وحكمه في الداخل. وقد تولى كبر هذه الغارات : الضحاك بن قيس ، والنعمان بن بشير ، وابن سعدة الفزاري.
وكان أشدها وقعاً على أمير المؤمنين غارة سفيان بن عوف الغامدي الذي تسلل إلى الأنبار فأكثر فيها الفساد ، وعاد بالغنائم وقتل الوالي ، وفتك بالجند بين عشية وضحاها. وانتهت الأنباء إلى الإمام عليهالسلام ، فكانت اللوعة والأسى ، وكان القلق والحزن ، وكان التأنيب لأصحابه ، وكان الحث على الجهاد ، ولكن الإمام كان يضرب