على حديد بارد في جماعة إستولى عليها التواكل والخذلان ، وعمل بها الوهن والضعف ، إستلذوا العافية ، ورضوا بالذلّة ، فما كان من الإمام إلا أن أبان لهم حقيقة الحال ، وشجب تقاعسهم شتاءً عن الجهاد ، وخمولهم صيفاً عن القتال ، حتى أفسدوا على الإمام رأيه ، فخطب على منبر مسجد الكوفة مستصرخاً لهم ؛ وزارياً بهم ، وغاضباً عليهم :
« أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن تركه رغبة ألبسه الله ثوب الذلّ ، وسِيم الخسف ، ودِيث بالصَغار ، وقد دعوتكم إلى حرب هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً ، وسراً وإعلاناً ، وقلت لكم : اغزوهم من قبل أن يغزوكم ، فوالذي نفسي بيده ، ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا. فتخاذلتم وتواكلتم ، وثقل عليكم قولي ، واتخذتموه وراءكم ظهرياً ، حتى شنت عليكم الغارات.
هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار ، وقتلوا حسان بن حسان ورجالاً منهم كثيراً ونساءً. والذي نفسي بيده ، لقد بلغني أنه كان يدخل على المرأة المسلمة والمعاهدة فينتزع أحجالهما ورعثهما ؛ ثم انصرفوا موفورين لم يُكلم أحد منهم كَلما ، فلو أن امرأً مسلماً مات من دون هذا أسفاً ما كان عندي فيه ملوماً ، بل كان به عندي جديراً. يا عجباً كل العجب. عجب يميت القلب ويشغل الفهم ، ويكثر الأحزان ، من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم ، حتى أصبحتم غرضاً تُرمون ولا ترمون ، ويُغار عليكم ولا تغيرون ، ويعضى الله فيكم وترضون ، إن قلت لكم اغزوهم في الشتاء ، قلتم : هذا أوان قرّ وصرّ ، وإن قلت لكم إغزوهم في الصيف ، قلتم : هذه حمّارة القيظ ، أَنظرنا ينصرم الحرّ عنا ، فإذا كنتم من الحرّ والبرد تفروّن ، فأنتم والله من السيف أفرّ ؛ يا أشباه الرجال ولا رجال ، ويا طغام الأحلام ويا عقول