ربّات الحجال ، والله لقد أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان ، ولقد ملأتم جوفي غيظاً حتى قالت قريش : ابن أبي طالب ، رجل شجاع ولكن لا رأي له في الحرب لله درّهم ، ومن ذا يكون أعلم بها مني ، أو أشد لها مراساً ، فوالله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، ولقد نيفّت اليوم على الستين. ولكن لا رأي لمن لا يطاع ، لا رأي لمن لا يطاع ، لا رأي لمن لا يطاع ».
ومرت هذه الخطبة بسلام ، كأن الإمام ما فاه بشيء ، وقد تؤثر في أقليّة لا تغني عن الإمام شيئاً ، ولكنها تستجيب لأوامره ، فتتبع المغيرين ، تردّهم حيناً ، وتطاولهم حيناً آخر ، وهذا ما أطمع معاوية بتجاوز حدود العراق إلى أطراف الحجاز وأعماق اليمن ، فقد أرسل بسر بن أرطأة في قطعة من الجيش ، وبسر هذا قائد همجي متهتك ، لا يرعى حرمة ولا ذمة ، ولا يركن إلى عقل أو دين ، دفعه تهوره فأغار على أهل البوادي في طريقه إلى اليمن ، وتمكن من شيعة الإمام فروعهم ترويعاً مريراً ، وأتى مدينة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فأكثر فيها الفساد ، ويمم شطر البيت الحرام فزلزل أهل مكة عن مأمنهم ، وأوغل في أعماق اليمن ، فيفرّ الوالي عليها من قبل الإمام ، ويكثر فيها فيها الفساد والقتل ، ويسرف في ذلك إسرافاً شنيعاً ، ويستذل العباد إذلالاً فاحشاً ، ويذبح ابني الوالي عبيد الله بن العباس ، ويكون لمصرعهما مشهد من لوعة واسى عند القريب والبعيد ، وترثيهما أمهما بمرّ الرثاء ، ويمعن بسر في الإبادة وسفك الدماء ، ويمعن جنده في النهب واستصفاء الأموال ، ويأخذ البيعة لمعاوية كرهاً ، ويرسل الإمام جارية بن قدامة السعدي رحمهالله في ألفي مقاتل ، ويفر بسر من اليمن حائزاً الغنائم ، مرضيّاً عند معاوية بما أصاب ، ويُرجع جارية اليمن إلى طاعة أمير المؤمنين ، وتستقيم بها الأمور له ، ولكن بسراً بلغ ما أراد ، وكان الله له بالمرصاد ، فقد دعا عليه