الإمام ففقد عقله ، وتصورت له بشاعة أعماله وجرائمه فجّن جنوناً مستحكماً ، فجعل يهذي بالسيف والقتال ، ويتصور له ابناء عبيد الله بن العباس ، فيتخذ له سيفاً من خشب يضرب به الوسائد والنضائد حتى هلك على هذه الحال.
ورأى معاوية في هذا الضرب من الإغارة إشغالاً لعلي عليهالسلام ، فأكثر منها ، وأثاب عليها ، ودعا إليها ، حتى شمل الخوف أهل العراق.
ثانياً : وكان الخوارج مصدر قلق مستمر لدولة الإمام ، فهم قرّاء أهل المصر ، وهم عبّاد أهل الكوفة ، وهم أصحاب الجباه السود من كثرة السجود ، والسواد غير قدير على التمييز ، وهم يدعون إلى حكم القرآن ، وهم ناقمون من عليّ ومعاوية ، وهم يقاطعون الإمام في خطبته وصلاته وعلى عليهالسلام صابر محتسب لا يتير حرباً ولا بألوا جهداً في الإصلاح ، ولكن الخوارج يلحّون في التواثب ، ويستفحلون على العدوان ، ويتمرسون صنوف العصيان ، يرون كل ذلك جهاداً في سبيل الله ، وتلك محنة ما وراءها محنة ، فهم يطلبون الحق فيخطئونه ، وهم يشجبون الباطل ويخوضون فيه ، وقد وصفهم الإمام فأحسن الصفة والتحليل « فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه ».
وكانت النهروان قد أكلت جموعهم ، وأفنت رجالهم ، وبقي منهم من عاش موتوراً ، فهو يحقد على الإمام صولته فيهم ، وهو ينقم من الإمام موقفه منهم ، فما برح الرجل والرجلان يثأران فيتبعهما المئة أو المئتان ، وإذا بهم يعلنون القتال ، ويخيفون السواد ، وينشرون الهلع ، ويقطعون السبل ، وعلي عليهالسلام يسرّح لهم الجند ، ويسير لهم الطلائع ، فيلقون على أشدّ قتال تندر فيه الرؤوس وتسيل المهج ، حتى إذا قمعوا نجم قرن آخر ، وتعود الكرّة عليهم إثر الكرّة ، وهم بين إحجام وإقدام ،