المتعمد بتدبير وحكمة ومروءة ، وتداعى الناس بعضهم إلى بعض ، وسار فيهم سراتهم ، وتحدث خطباؤهم ، وتكلم بلغاؤهم ، وقامت النجدة على قدم وساق ، وإنتفظت الحميّة دون تردد ، وتهلل وجه الإمام فرحاً بهذا الانقلاب الجديد ، واستبشر قلبه سروراً مع هذا التغير المفاجيء ، فهو يرى النصح في الإستجابة ، وهو يرى الإخلاص من النفير ، فالزعيم يجتمع إلى أنصاره يحرّضهم على القتال ، والموجّه يدعو أتباعه إلى النضال ، والأخ يدفع بأخيه إلى التضحية ، والأم تقنع ولدها بالفداء ، والأب يتابع بنيه في الإستنهاض ، ولم يجتمع العراقيون على الإمام اجتماعهم له هذا الحين ، فالجيش يتعاقد على المنية ، وشرطة الخميس تبايع على الموت ، والجند بغاية الأهبة والإستعداد ، والعواطف ملتهبة ، والمشاعر متحفزّة ، وبان للإمام الوجه في هذه الحرب ، والصدق لدى أصحابه هذه الآونة ، فأرسل زياد ابن حفصة في طليعة من أصحابه ، وأمره أن يغير على أطراف الشام ، ووجه معقل بن قيس لتعبئة أهل السواد ، واستنجد أهل البصرة فأنجدوه بعزيمة صادقة ، ودعا أطراف الدولة إلى الإلتحاق بالجيش ، فتكونت للإمام عدة عظيمة في هذا الشأن ، وتهيأت له الأسباب في السلاح والكراع والرجال ، فما هي إلا أن تحين الساعة فيزحف زحفة الصادق على الشام ، وإنه لفي هذا السبيل إذ يأتمر الخوارج مخططين قتله ، فينتقض الأمر.
وستقرأ ذلك فيما بعد ، بعد أن تحيط خبراً بهموم الإمام ، ومحن الإمام ، وسياسة الإمام ، وهو في هذا المناخ المتناقض العجيب.