وحكمه العدل ، لم تتهيأ بهما له الفكاهة ، ولكنها الاعتداءات التي لا تستند إلى المنطق ، فتسحق الضمير والنزاهة والعفاف. وأنى تستقيم هذه الدعوى ، ولا بينة عليها ولا شواهد في قول ولا عمل ، وهو القائل في نصيحته لولده الإمام الحسن :
« وإياك أن تذكر في الكلام ما كان مضحكاً ، وإن حكيت ذلك عن غيرك ».
وليتهم وصفوة في جديته وصرامته وخشونته لوجدوا إلى ذلك سبيلاً ، ولكنهم ألصقوا به ما هو بعيد عنه بعد السماء عن الأرض ، اللهم إلا صفاء المؤمن ، وسلامة الورع التقي ، ومرونة العارف بعواقب الأمور ، فلا تبطره الدولة ، ولا تطغيه السلطة ، وإنما هو رجل من الناس لا يتعالى ولا يتطاول ، قد خفض جناحه للمسلمين ، وألان أكتافه لعامة الناس في دعة وتواضع ، في رقة من لهجة ، وبسمة من ثغر ، وطلاقة من محيا.
وهذا كله شيء ، والدعابة المدعاة شيء آخر.
وظاهرة أخرى ؛ فمتى بسم الدهر لعلي عليهالسلام حتى يستخّفه الأنس مع الحاضرين ، ومتى سالمه حتى يجد السبيل إلى البطالة والفراغ ، ومتى سايره حتى يساير هذا النمط من العاطلين ؛ وإنما هي المحن والفتن التي واجهها بالصبر والجلد والثبات ، مشمّراً عن ساعد الجهاد ، وداعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة شأنه في ذلك شأن الشهداء والصالحين والصديقين ، وحسن أولئك رفيقاً.