رعاع يتبعون كل ناعق ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
هؤلاء السواد الذين تحركت في نفوسهم النخوة ، وعادت إليهم الجاهلية ، فالثأر من جهة ، والأحقاد من جهة أخرى ، وتضييع النظام الإسلامي والشرع الجديد بين عشية وضحاها كل أولئك عقبات في طريق المسيرة ، ولكنه يذللها بحكمته ، ويتداركها بعظيم حنكته وسياسته ، فهو إذن في جهد دائم مضني ، وعمل دؤوب مستمر ، والحبل على الغارب ، فالمشاكل آخذة بالازدياد ، والمستجدات بغير حساب.
وإن تعجب ، ولا ينتهي العجب في سيرة هذا الرجل العملاق ، إدعاؤهم « الدعابة » فيه ، إذ لم يجدوا عليه مطعناً ، ولم يصلوا إلى مغمز ، فأخذوا عليه يسره وإسماحه ، واستوحشوا نبله وأخلاقه ، فقد كان رقيق الحاشية ، ليّن الجانب ، طيّب المعاشرة ، دون غلظة أو جفاف أو قسوة ـ شأن الأولياء الصالحين ـ يهش لهذا أو يبسم لذلك ، مع شدة هيبته ، وجلالة وقاره وسمته ، فقال عمرو بن العاص أن في علي دعابة « لقد زعم ابن النابغة أن فيّ دعابة ، وأنني رجل تلعابة ».
وما كان عليّ عليهالسلام هازلاً يوماً ، ولا لاعباً أو عابثاً حيناً ما ، فجدّه وحزمه يأبيان هذا الإتهام الفضفاض الذي لم ينخدع به أهل البصائر ، فما وجد أذناً صاغية حتى عند سواد الناس ، ولكنه كان خاشعاً متواضعاً مع خشية الله لا جبروت في نفسه ، ولا طاغوت في حكمه حتى قال من وصفه « كان بيننا كأحدنا ، وكنا لا نكلمه هيبة له ». وقد صدق ضرار ( ضمرة ) بن أبي ضمرة حينما وصفه لمعاوية :
« كان والله شديد القوى ، بعيد المدى ، ينطق فصلاً ويحكم عدلاً ». وشدة قواه ، وبعد مداه ، لم يسمحا له بدعابة ، ونطقه الفصل ،